12 سبتمبر 2025

تسجيل

على أريكة القلب

27 يونيو 2022

هل الجهاز العصبي والنفسي في حالة الحب، قادر في كل مرة أن يختبر ما يكتنزه الوجدان في ثناياه من طاقاتٍ جليلة، وإيحائية تنقلها أسرار لغة الشفاه، وحركاتها، ودلالتها الخفية عبر الجهاز الفسيولوجي، وهو ينطلق مصدحا بمقامات العشق وقد أقسم الأيْمان المغلَّظة على وِصَال الأَحِبَّةِ، قائلا بِرَبّ الحُبّ، وَالسَّبْع المثاني إنِّي أُحِبُّهُ حُبَّا حقيقيا لن يموت أبداً. ويبدأ مشوار (على رأي العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ) هذه الانفعالات التي تنعش الروح، وتحييها، وتستكمل مسيرة رُقيها تارة، ويكتوي الفؤاد بلوعة الاشتياق تارة أخرى، ويشطر القلب نصفين: نصف ينبض، ويبوح بترانيم الحُبّْ بحضور المحب البهي، ونصف يحلق معه في الأعالي، ويعزف تراتيل العشق المعتق مرات كثيرة دون اكتراث ولا مبالاة من المُحِب، إلى أن تعصف مع نهاية المشوار شرارة الانفعال، فتستنفر العاطفة الكامنة في اللاوعي، ويبدأ المُحِب أنشودة الرحيل، فيقلب رأسًا على عَقِب كل الأيْمان العذرية)، من هذه الأغاني أستحضر الآن من جبال الأطلس أغنية "ياك أنت ليا وأنا ليك" مغني رائعة إناس إناس المرحوم "محمد رويشة" التي شغلت كل الناس، والتي جعلت منه أسطورة الأغنية المغربية الأمازيغية الشعبية بامتياز (ويرتدّ حبه عليه وإلى عوالم النسيان. ليستحوذ الشعور بالحنين إلى الماضي على كل الجهاز النفسي فتتفتق الروح كلحظة استفاقة من سباتها، وهو يقلب تلك الذكريات المؤرقة والجميلة التي تقيم فينا وتغلف حياتنا بلبوس عابري الدهشة والمستبصرين عند البحث في دهاليز الذاكرة المعتمة، وتحت وقع وهم المفاضلة بَين المحبوبات الفضليات. على أنغام موسيقى كلمات الأمير الشاعر عبد الرحمن بن مساعد وألحان وغناء عبادي الجوهر بفارق فراقك، تفتقت في ذهني تساؤلات دعتني أرتهن لحقيقة مؤداها أنه لَا سَبِيل إِلَى المفاضلة لأن في العشق تجليات الشوق لمقامات العاشق عند "التخلي" و"التحلي" و"التجلي'' فيعتصر قلبك ألماً وأنت تهيم فيه... وهو يهيم فيك على مذبح الحقيقة. غير أن للوعة الشغف في بدايات العلاقات الغرامية، ووشوشة الروح، ودغدغة الجسد في مشارق الأرض ومغاربها قلبا واحدا وأوحد ينبض في رحاب كينونته، ويحرك في تضاعيف بواطنه المفتونة بالحب مصنفات أدبية، وفنية، وفكرية خلدها التاريخ وفق دعائم نفسية ترقب دورة الحياة، وتنهل من عبق الزمان وسحر الوجود، وترتوي من شرايين عذوبة اللقاء ولهفة الأشواق في محراب الإبداع والتفرد، كونها تستعين بشتى ضروب الفنون على مر العصور، وامتداد الزمن بكل انكساراته وانتصاراته، ناهيك عن منتخبات شعرية من تلحين كبار المبدعين العرب أغنية ''كتعجبني'' للموسيقار والمطرب المغربي عبد الوهاب الدكالي، هي أغنية من الأغاني المغربية والعربية الخالدة من فنان أعطى الكثير للإبداع، وهي أغنية تحاكي أطوار، ومراحل الانجذاب العاطفي بين الرّجل المحب ومحبوبته، تتراوح بين الإعجاب والغرام إلى الوله بالحبيب منزلا إياه منزلة الملاك، وما ينتاب المحب من مشاعر الخوف والقلق عندما يقع فريسة متلازمة الانسحاب العاطفي، والهجر يُستثار بفعل عوامل، سواء كانت مؤثرات خارجية أم داخلية أو قدر يخطفه على حين غرة إلى ملكوت الأرواح الراقدة في عالم البرزخ، أو روح تألَف من تألَف فلا يملك عليها سلطانا، مبررا رحيله أنه التقى توأم الروح. فـ ''الأرواح جنود مجندة تلتقي فتشامّ كما تشامّ الخيل فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف''، والسابقون في عهد هواه كانوا مجرد تجارب قوت عضلة قلبه من مطبات الحب الهالكة للجهاز النفسي والتاركة في ثناياه اضطرابات انفعالية لا يسبر أغوارها، ولا يحل عقدها، ولا يدرك مكنوناتها، ولا يقوم ويصلح أعطابها إلا علماء النفس والمعالجون النفسيون. إنها تجارب الحب أو كما يسميها البعض صدمات على حسب مقامه في العشق. فإذا تمكن المحبوب من شغاف القلب وتعلق به بدأ المحب يستحسن كل ما يقع منه ويأنس بمجالسته، بل ويُعجب منه بكل شيء وإن كان قبيحاً، وما لا تألفه النفس قد يستساغ في لغة المحبين، فأيام جمال أُنس الليالي الخوالي، واختلاس ﻟﺤظﺎت اﻟﻤﺘﻌﺔ في كل أبعادها، تنتهي بسبب مكر كيمياء الدماغ من جهة والتي أجمعت أن تجهز بعين الواقع على العلاقات الإنسانية عامة والغرامية خاصة، ومن جهة أخرى تراجع الرهانات على مواقف النبل والإنسانية في زمن سقوط الثوابت وأفول نجمها، وتراجع وانحسار دائرة المشترك بين الحبيبين وهكذا بعد انتهاء دورتها (الهرمونات المسؤولة عن كيمياء الحب) حسب كل شخص (قد تمتد لشهور أو سنين) تفضي إلى التعري القاسي والكامل كما جاء في القول المأثور "مراية الحب عمية" وظهور كل ما لا تحبه في ذلك الشبح الآتي من بلاد الحب وعرائس الهوى. طوبى للمحبين وصلواتي للحب أن لا يصبح ذكرى للشموع وحلويات الشوكولاتة أو لصور عابرة فوق طاولة المحبين واستكانة القلوب المكسورة لأطايب الكلام، وفتنة اللحظات، وسحر الكلمات والإكثار من إطلاق الوعود البراقة حال الفرح واستعراض العنتريات "الدون كيشوتية" الزائفة، واشتداد وهج الودِّ أحيانا على موسيقى أغنية "أنا بوهالي" لهرم الأغنية المغربية عبد الهادي بلخياط.. كل عام والمحبين بألف حب.