20 سبتمبر 2025

تسجيل

ضبابيات المشهد التركي

27 يونيو 2015

تغير المشهد التركي كلية، نتائج انتخابات السابع من يونيو الماضي قلبت الأمور رأسا على عقب، حزب العدالة والتنمية لم يعد قادرا على الاحتفاظ بالسلطة منفردا، وإذا اجتمعت المعارضة بأحزابها الثلاثة، وهذا صعب للغاية، أن يبقى حزب العدالة والتنمية خارج السلطة.لكن المؤشرات الواضحة تشير إلى أن أي تحالف حكومي يجب أن يكون حزب العدالة والتنمية شريكا فيه لكي يمكن أن ينال الثقة في البرلمان.وفي ظل استبعاد إدخال حزب الشعوب الديمقراطي الكردي إلى أي تحالف حكومي فإن الكرة تبقى في ملعب حزبي المعارضة الآخرين أي حزب الحركة القومية اليميني وحزب الشعب الجمهوري العلماني المتشدد.يكفي ائتلاف العدالة والتنمية مع أي منهما لكي ينجح في البرلمان.في المنطلقات الإيديولوجية فإن الأقرب لحزب العدالة والتنمية هو حزب الحركة القومية. الأول إسلامي على قومي والثاني قومي على إسلامي. وقد سبق لحزب الحركة القومية أن أنقذ حزب العدالة والتنمية بأن أمّن له نصاب الثلثين في العام 2007 لكي يتم انتخاب عبدالله غول مرشح العدالة والتنمية رئيسا للجمهورية.وغالبا ما تنتقل بعض الأصوات من قاعدة كل منهما إلى الآخر في الانتخابات.غير أن 13 سنة من حكم حزب العدالة والتنمية ولّدت عداوات مع كل أحزاب المعارضة وتعمقت الهوة بينهما بحيث لم يعد من السهولة أن تقيم تحالفا حكوميا بمعزل عن رواسب المرحلة الماضية.ويأتي في رأس القائمة هنا ملفات تتعلق بالفساد وشرط الحركة القومية إحالته على القضاء ليأخذ مجراه. غير أن العقدة الرئيسية في العلاقة بين القوميين والعدالة والتنمية هي مستقبل المفاوضات بين الدولة وحزب العمال الكردستاني بزعامة عبدالله أوجالان، حيث إن العدالة والتنمية يريد استمرارها فيما يرفض ذلك بشكل قاطع حزب الحركة القومية. وإذا كان من سبب لمنع إقامة مثل هذا الائتلاف فسيكون بالذات المسألة الكردية. إذ إنه رغم أن المفاوضات لم تحرز تقدما ملموسا فإن وقفها سيعني بنظر العدالة والتنمية ذهاب البلاد إلى استقطابات خطيرة جدا تفتح على انفجار عسكري عندما تنسد كل الأبواب السياسية أمام الأكراد لتحصيل حقوقهم خصوصا بعدما نجحوا في الدخول إلى البرلمان وبنسبة عالية تجعل من المستحيل تجاهل حيثيتهم الجديدة التي تقارب حيثية حزب الحركة القومية.إذا فشل خيار "العدالة والتنمية – الحركة القومية" فإن البديل المتبقي هو ائتلاف العدالة والتنمية مع حزب الشعب الجمهوري.مسألة إحالة الوزراء الأربعة المتهمين بالفساد إلى القضاء قد لا تشكل عقبة أمام مثل هذا الائتلاف خصوصا مع تسريبات بأن رئيس الحكومة المستقيل أحمد داود أوغلو لن يبد معارضة لذلك لاسيَّما بعدما بات رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان ضعيفا ومحاصرا حتى من جانب بعض الفئات داخل حزب العدالة والتنمية.ومن جهته فإن حزب الشعب الجمهوري لن يعارض استمرار المفاوضات مع أوجالان لكن ضمن سياقات جديدة.ولا مفر سواء كان الائتلاف بين العدالة والتنمية مع الحركة القومية أو الشعب الجمهوري من تغييرات في السياسة الخارجية، فحتى قواعد حزب العدالة والتنمية تريد التخفف من أعباء السياسات المتبعة منذ سنوات والتي انتقلت بصفر مشكلات مع معظم الدول إلى صفر علاقات، وتأتي الأزمة في سوريا في مقدمة هذه التغييرات في السياسة الخارجية خصوصا مع المخاوف المنتشرة بازدياد داخل تركيا من التوسح المتنامي لقوات الحماية الكردية في سوريا على حساب تنظيم "داعش" في تل الأبيض وعين عيسى وتشكيل ما يشبه الحزام الكردي على حدود تركيا من جهة سوريا.لذا فإن الذهاب إلى تشكيل ائتلاف بين العدالة والتنمية والشعب الجمهوري قد يبدو محتملا. غير أن كثرة التفاصيل والعناوين والحسابات في الصراع السياسي الداخلي لا تسمح بالجزم في الشكل الذي ستتخذه مجريات الأمور. وهذا قد يضيف تعقيدات تجعل حتى من تشكيل الائتلاف أمرا متعذرا والذهاب إلى انتخابات مبكرة. غير أن الاستطلاعات التي تشير إلى أن أي انتخابات مبكرة لن تغير من الخريطة الحالية والإشارة إلى أن الهيئات الاقتصادية تعارض انتخابات مبكرة قد تضغط نحو خيار الحكومة الائتلافية. وفي المحصلة فإن تركيا القديمة لم تعد قائمة وهي في مواجهة وضع جديد له دينامياته وشروطه ومفاجآته على كل الأصعدة الداخلية والخارجية.