13 سبتمبر 2025

تسجيل

تقليد الكذاب

27 يونيو 2015

حينما نتأمل تاريخ الكذابين خاصة في مسألة ادعاء النبوة نرى أن الأمر بات ظاهرة تستحق الدراسة، هذه الظاهرة تنبه لها ابن كثير فأشار إلى أن الناس بعد وفاة الرسول إلى فئات ثلاث، وذكر منهم طائفة ادعت النبوة كمسيلمة والأسود العنسي وسجاح وغيرهم الكثير، ولكنه لم يحلل هذه الظاهرة وهل من الممكن أن يتم تقليد الكذاب، وسنحاول في هذه المقالة أن نبين هذه الظاهرة.وبداية ينبغي أن نشير إلى أن ادعاء النبوة لم يظهر بعد الرسول –صلى الله عليه وسلم – بل إن هناك من ادعى النبوة في الجاهلية يقول ابن كثير: "أما أهل عمان فنبغ فيهم رجل يقال له: ذو التاج . لقيط بن مالك الأزد، وكان تسامى في الجاهلية الجلندي، فادعى النبوة أيضا، وتابعه الجهلة".لكن الأمر زاد بعد بعثة النبي –صلى الله عليه وسلم- فكانت البداية بالأسود العنسي ومسيلمة الكذاب، ثم بعد ذلك توالى الكذابون من مدعيّ النبوة وهم بالمناسبة موجودون إلى الآن، فقد سمعت أحدهم في فيديو يدعي أنه نبي ورأيت أمامه خلقا يصيحون لصياحه ويشجعونه ويصدقونه، وهذا يؤكد قول النبي –صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى ينبعث دجالون كذابون قريبا من الثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله (رواه مسلم).ولكن متأملا للحديث يقول إن هناك أكثر من ثلاثين ادعوا النبوة فلماذا حدد النبي صلى الله عليه وسلم العدد بالثلاثين، والجواب أن النبي –صلى الله عليه وسلم قال قريبا من الثلاثين ولم يقل بالتحديد القاطع كما أن النبي –صلى الله عليه وسلم وصفهم بالدجالين فليس كل من ادعى النبوة كان دجالا، فالدجل معناه كذّب ومَوّه وادَّعى، وقد رأينا أن مسيلمة كان يحاول أن يموه بالكلام ويطلق على نفسه الرحمن ويحاول أن يأتي بمثل القرآن فلم يستطع.ونلاحظ أن كل الكذابين لم يشتهروا رغم كثرتهم ولكن الذي ذاع صيته القليل وأعتقد أنهم أقل من ثلاثين بكثير. لكن لماذا يقلد الناس الكذابين فيكذبوا مثلهم، والإجابة عندي أحاول أن أجتهد فيها في النقاط الآتية:أولا: أنه لم يجد مقاومة لكذبه من المجتمع بل وجد استحسانا لما يقول، ومثل هذا الجمهور حذر منه القرآن فوصف اليهود بأنهم "سماعون للكذب، أكالون للسحت"، وقال للنبي –صلى الله عليه وسلم محذرا إياه من خروج المنافقين في الغزو (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم).ثانيا: إن هذا الكذاب يستغل موهبته في تحسين الكلام وتزيينه ولذلك نجد أن الذين ادعوا النبوة أظهروا إمكانات وملكات فردية فسجاح كانت شاعرة أديبة واغترت بموهبتها، ومسيلمة كان يتعلم اللغة اللاتينية واتصل بالكنسية فترة والأسود العنسي قال عنه ابن كثير: "وأما أهل اليمن فقد قدمنا أن الأسود العنسي، لعنه الله، لما نبغ باليمن، أضل خلقا كثيرا من ضعفاء العقول والأديان، حتى ارتد كثيرا منهم أو أكثرهم عن الإسلام".. وعبد الله بن أبي سرح لما عندما نزلت سورة المؤمنون نادى النبي الكتبة من الصحابة وكان من جملتهم عبد الله بن أبي السرح ليكتبوها فرتل النبي محمد."وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ*ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ* ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا.... » وأكمل النبي ترتيل الآية: ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ". فقاطع عبد الله ترتيل النبي من شدة انبهاره وعجبه في تفصيل خلق الله للإنسان فقال: "فتبارك الله أحسن الخالقين". فرد عليه النبي محمد: "وهكذا أُنزلت عليّ - أي أن الآية نزلت عليه مثلما قال عبد الله - "فشك عبد الله حينئذ، وقال: لئن كان مُحمد صادقاً لقد أوحي إليّ، ولئن كان كاذباً لقد قلت كما قال. فارتد عن الإسلام وعاد للوثنية وهرب إلى مكة المكرمة فنزلت فيه وفي مسيلمة الكذاب والأسود العنسي هذه الآية:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ.. سورة الأنعام.وقال الطبري والمفسرون: إن "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ"؛ نزلت في مسيلمة بن حبيب وعبد الله بن أبي السرح، وَ"ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله" كان المقصود فيها هو عبد الله بن أبي السرح.إذًا، فالنبوغ لدى هذه الشخصيات كان مدعاة إلى غرور وحقد وحسد على أن أتى الله النبي الرسالة ولم تعط لهم.. والحديث موصول إن شاء الله.