14 سبتمبر 2025

تسجيل

وجادلهم بالتي هي أحسن

27 يونيو 2014

"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (النحل:125). في ظل انتشار ظاهرة الإسلاموفوبيا والتشويه المنهجي للإسلام والمسلمين والعرب، وأزمة الإعلام العربي وغياب مشروع إعلامي عربي لمواجهة الصور النمطية والتشويه والتضليل نتساءل عما هي الحلول والسبل والإجراءات العملية لتصحيح الوضع وبناء جسور الحوار والتفاهم مع الآخر. فالدول العربية والإسلامية مطالبة بالقيام بسلسلة من الإجراءات العملية لبناء حوار فعال لمواجهة الوضع غير السوي ولتقديم الصورة الحقيقة للإسلام والمسلمين وللرد على الأساطير والأكاذيب والحملات الدعائية للنيل من الإسلام والمسلمين. ومن أهم هذه السبل تحرير الإعلام العربي من القيود ومن القوانين البالية: وهذا يعني تحرير القائم بالاتصال والمثقف العربي من كابوس الرقابة الذاتية حتى ينتج رسالة إعلامية قادرة على المنافسة والتأثير في الرأي العام سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. وكذلك جعل المؤسسة الإعلامية وسيلة للإبداع والإنتاج الفكري ومنبرا للحوار والنقاش البناء. كما يتطلب الأمر توفير الإمكانات والوسائل وشروط النجاح للقائم بالاتصال حتى يؤدي رسالته على أحسن وجه، والعمل على تطوير مهاراته وإمكاناته من خلال دورات تعليمية وتدريبية بصفة دورية ومستمرة. من جهة أخرى يحتاج الخطاب الإعلامي الإسلامي والعربي إلى تطوير وإلى منهج جديد في الشكل وفي المضمون وفي المنهجية. حيث ضرورة تحريره وإعطائه الحرية الكاملة لطرح القضايا الرئيسية التي تهم الشارع والرأي العام سواء محليا أو دوليا حتى يستجيب لمتطلبات العصر واحتياجاته، وكذلك الخروج من النمطية والرتابة والتبعية إلى الإبداع والابتكار والتميز. العرب بحاجة كذلك إلى مرصد لوسائل الإعلام الغربية لمتابعة التجاوزات في حق الإسلام والمسلمين والعرب والرد عليها بالسرعة الفائقة وتفنيد كل الأساطير والأكاذيب والحملات الدعائية. هذا الرصد يجب أن يكون منهجيا وبطريقة منظمة لمتابعة أولا بأول كل ما يسيء للإسلام والمسلمين والعرب في مختلف وسائل الإعلام العالمية وفي مختلف المنتجات الثقافية. ومن الحلول الناجعة كذلك إنشاء مركز للدراسات والأبحاث يقوم بتزويد صانع القرار بالمعلومات والإحصاءات الضرورية لاستخدامها في تصحيح صورة العرب والمسلمين وفي إقامة حوار منهجي وبناء مع الآخر. كما يتطلب الأمر الاستثمار في الصناعات الإعلامية والثقافية وهذا يعني ضرورة الاهتمام بالصناعات الثقافية والإعلامية في الوطن العربي والإسلامي وزيادة المنتج الثقافي والإعلامي العربي والإسلامي الذي يعنى بتصحيح الصورة. كما يجب استخدام وسائل الإعلام الجديدة واستغلال التكنولوجيات الحديثة للإعلام والمعلومات للوصول إلى الآخر ومخاطبته سواء من خلال الانترنيت أو "المدونات" أو البريد الإلكتروني.. إلخ. ومن الإجراءات العملية كذلك تجديد الخطاب الديني لمواكبة منطق العصر ولغة العصر ووسيلة العصر والابتعاد عن الركاكة والرتابة والروتين والتكرار والارتجال، مع الحرص على تقديم الرسالة الدينية بأسلوب المنطق وهندسة الإقناع وعرض وتقديم المادة الإعلامية بعدة لغات سواء عن طريق الفضائيات أو الانترنت أو الصحف والمجلات العالمية.. وغير ذلك من الوسائل والقنوات. كما يجب على العلماء والفقهاء ورجال الدين تقديم خطاب ديني عصري يتماشى مع التحديات التي تعيشها البشرية في القرن الحادي والعشرين من أجل بناء جسور الحوار والتفاهم بين شعوب العالم. من الإجراءات العملية كذلك إنشاء بنك معلومات عن إنجازات العرب والمسلمين وإسهاماتهم في الحضارة العالمية وكل ما يساعد في بناء رسالة إعلامية قوية تساعد في الرد على التشويه والتضليل والصور النمطية. وإنشاء مركز دراسات مستقبلية يعنى باستشراف واقع ومستقبل العرب والمسلمين ويرسم سيناريوهات بديلة لسبل التفاهم والحوار بين العرب والغرب. كما يجب الاستثمار كذلك في العلاقات العامة والدبلوماسية العامة: فالمؤسسات الدينية والمراكز الإسلامية والجامعات الإسلامية كلها بحاجة إلى جهاز علاقات عامة للوصول إلى إدراك الآخر وإقناعه بالبينة بماهية الإسلام وعظمته وعالميته. كما يجب تفعيل دور الدبلوماسية العربية في محاورة الآخر وبناء جسور العلاقات الطيبة معه وتخليصه من الأفكار المسبقة والصور النمطية والأكاذيب والأساطير التي رسخها في ذهنه الإعلام الدولي. كما يجب كذلك تفعيل الحوار مع المجتمع المدني في الدول الغربية (جمعيات، أحزاب، نقابات، منظمات غير حكومية، أندية...إلخ) حيث توجد قطاعات عديدة في المجتمع الغربي لو عرف العرب والمسلمون كيف يتعاملون معها لاستطاعوا الحصول على تأييدها ودعمها لهم في خدمة القضايا العربية والإسلامية. فهناك هيئات عديدة في المجتمع المدني في الغرب تقف ضد التضليل والتشويه والتلاعب وضد الحرب الأمريكية البريطانية في العراق وضد جرائم الكيان الصهيوني في فلسطين وضد العنصرية والتمييز والتفرقة ضد العرب والمسلمين. فالعرب والمسلمون مطالبون بالتعاون وإقامة علاقات مع هذه التنظيمات لخدمة قضاياهم وللوصول للرأي العام العالمي والتأثير فيه. كما يجب كذلك تفعيل الحضور الثقافي العربي الإسلامي في الغرب (المعارض، الندوات، المحاضرات، المؤتمرات)، حيث إن بناء الحوار مع الآخر والوصول إليه والتأثير فيه يتطلب استثمار منهجي ومستمر ودائم لتأكيد الحضور الإعلامي وبناء الصورة. كما يجب إنشاء قنوات فضائية تبث باللغات العالمية. الملاحظ أن هناك غيابا شبه تام للفضائيات العربية والإسلامية التي تبث بلغات أجنبية للآخر وهذا يعني وجود فراغ كبير يستغله الآخر وخاصة أعداء الإسلام لتمرير ما يريدون من أكاذيب وأساطير وحملات دعائية حيث إن الآخر يتمتع بوجود كبير جدا في البث الفضائي الدولي، في حين يبقى الحضور الإعلامي الإسلامي والعربي محدودا جدا. وكذلك استئجار أوقات بث في وسائل الإعلام العالمية وخاصة من خلال وسائل الإعلام الدولية التي تتمتع بانتشار عالمي واسع، وإنشاء إذاعات موّجهة بلغات غربية من أجل فتح قنوات تواصل وحوار مع جماهير واسعة وفي دول مختلفة عبر العالم. كما يتطلب الوضع تفعيل عمل الأقليات المسلمة في الغرب والتعاون معها في إيصال الرسالة إلى الآخر؛ توجد أقليات مسلمة في دول عديدة في العالم. فهناك خمسة ملايين مسلم في فرنسا، ونفس العدد في الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك أعداد معتبرة كذلك في بريطانيا ودول أوروبية أخرى كبلجيكا وهولندا والدانمرك وألمانيا وإسبانيا وإيطاليا...إلخ. هذه الأقليات بإمكانها أن تلعب دورا كبيرا في إنشاء قنوات حوار وتفاهم مع الآخر وبإمكانها كذلك أن تعطي الصورة الحقيقية للإسلام والمسلمين من خلال الرد على الحملات الدعائية والصور النمطية والتغطيات الإعلامية المسيئة والمشوهة للإسلام والمسلمين. فعمل الأقليات الإسلامية في الغرب يحتاج إلى التخطيط والبرمجة والتنسيق حتى تنجح في القيام بواجبها وأداء رسالتها على أحسن وجه وحتى لا تُسّيس وتُستغل من جهات قد تسيء للإسلام والمسلمين أكثر مما تخدم حوار الإسلام مع الغرب. كما يجب إنشاء وتمويل ودعم أقسام وكليات ومعاهد للدراسات الإسلامية والشرق أوسطية في كبريات الجامعات الغربية وتمويل البحث العلمي فيها وتوفير المنح الدراسية والبحثية لطلاب الدراسات العليا وللباحثين في قضايا الإسلام والشرق الأوسط، وكذلك تنظيم جوائز ومسابقات عالمية للدراسات والبحوث الإسلامية والشرق أوسطية. وتأهيل وتطوير الكادر الإعلامي لمواكبة التطورات في مجال تكنولوجيا الإعلام والمعلومات والتحكم في اللغات العالمية والمهارات اللازمة لإنتاج الرسالة الإعلامية الفعالة والناجحة. يعتبر الحوار مع الغرب تحديا كبيرا يواجهه كل مسلم في القرن الحادي والعشرين. ونجاح الحوار يتوقف على استعداد الطرفين للتحاور والتفاهم. والمقصود بالاستعداد هنا هو نية الحوار وإرادة فهم الآخر ومحاولة التعرف عليه واحترامه. كما يقوم الحوار على الاحترام المتبادل والإنصاف والعدل ونبذ التعصب والكراهية. وحتى يكون الحوار ناجحا يجب أن يكون متكافئا ومتوازيا بين الطرفين.