15 سبتمبر 2025

تسجيل

لمن لم يعرفوا بعد .. من هو الشيخ حمد

27 يونيو 2013

لو سألنا الشعب الفلسطيني ومقاومته ونخبه عن مواقف قطر والشيخ "حمد بن خليفة" وعن دعمه للمقاومة ودفاعه عن المظلمة الفلسطينية في المجامع والمؤتمرات والمؤسسات الدولية وإدانته للعدوان، وعن سعيه في المصالحة بما لم يسع مثله بعض الفلسطينيين أنفسهم؛ لو سألنا الفلسطينيين عن ذلك لمدحوا جرأته وأثنوا على دفء أخوته بما لا يتفقون على مثله في حق بعضهم.. ولو سألنا اللبنانيين عن دعمه للمقاومة وتمويله إعمار الجنوب وإصلاحه بين الفرقاء.. لقال اللبنانيون في مدحه ما لا يقولونه في كثير من وطنييهم ولنسبوا إليه الكثير من فضائل الاستقرار الذي ينعمون به اليوم.. ولو سألنا السودانيين عن رعايته للوحدة الوطنية، أو سألنا الشعوب المصرية والتونسية والليبية واليمنية ثم السورية والشعوب العربية بالعموم عن مواقفه تجاههم وتبنيه لمظالمهم لقالوا في الإشادة به ما لا يقولونه في كثير من زعمائهم وأهل ثقتهم.. ومثل هذه الإشادات على صعيد مواقفه السياسية والخارجية يقال وأكثر منه داخليا في قطر، على صعيد مواقفه وقراراته الاقتصادية والثقافية والحضارية.. ومع ذلك فإن المتشككين والمتضررين من سياسات قطر ومن مواقف هذا الرجل الفذ – وكما هو متوقع - لا يتركون فرصة للتشكيك في كل ذلك إلا استغلوها، ولا تأويلا سيئا ممكنا إلا لجأوا إليه.. ولكن الحدث اليوم وتخلي الرجل عن الحكم، وأن يكون ذلك طوعيا وأن يأتي في أوج نجاحاته، وحال كمال نضجه، ورغبة شعبه والشعوب العربية والإسلامية به.. كل ذلك يعد ردا جوهريا – وإن لم يكن مقصودا ولا ضروريا - على كل المشككين والمتشككين والكاذبين والمكذوب عليهم في ذلك؛ وأقول:  عندما يتخلى الشيخ "حمد بن خليفة" عن الحكم في ذكرى يوم استلامه له بالشهر واليوم قبل ثمانية عشر عاما.. فإن ذلك يعني أن التغيير إنما جرى اختياريا، وعن رغبة لديه؛ لا عن ضرورة ولا عن ظروف قهرية، أما عن الفكرة وراء هذا القرار وميزان قياس المصالح والمفاسد، فذلك يدلل على أن فكر هذا الرجل سابق وأنه إبداعي وليس نمطيا ولا اعتياديا، كما يدلل على زهده في الحكم، وهو موقف لم يفعله إلا قلة وآحاد من الزعماء كل حقبة من مئات السنين!!  لقد أوضح قرار "الشيخ حمد" لمن لا يزالون يضعون مواقف قطر ومواقف أميرها في دائرة الإدانة المبدئية لمجرد الشك النمطي وسوء الظن التقليدي أو لمجرد القياس على مواقف زعماء آخرين بغير جامع مشترك.. أوضح أنهم أمام شخصية ليست موضع قياس مع أي زعامة عرفوها.. وعليه فليس من الصواب ولا من حسن الذوق أن يقارن أو تقارن خطوته هذه المبدعة والعظيمة والأخلاقية والحضارية بما يفعله زعماء - رأيناهم - يهلكون الحرث والنسل ويحرقون الأخضر واليابس ويقطعون أوطانهم ويبددون الإنجازات من أجل أنفسهم وسلطتهم وسطوتهم !! حتى لو كانت المقارنة على سبيل المدح وإبراز الفرق..  هذا القرار (التاريخي والأخلاقي والوطني والحضاري وغير المقيس ولا المقيس عليه) يشير إلى مميزات هذا الرجل وإلى أيديولوجيته ونظرته لذاته وأهل بيته ولوطنه ومواطنيه، كما يشير للفارق الجوهري والنوعي في فكره ووجدانه، ويدلل على الرؤية التي يستهدي بها في تعاطيه مع قضايا الأمة والشعوب وحجم وعمق الفرق بينه وبين كل ما حوله..  هذا النوع من الأخلاق الوطنية وهذا الفهم غير التقليدي الذي يحكم تفكير ومواقف وقناعات الرجل؛ يجب أن يستوعبه بعض الفلسطينيين الذين يسيئون الظن ويتشككون في علاقة قطر بالقضية ودعمها للمقاومة، حيث تخلى عنها وخانها بعض الأقربين من الفلسطينيين أنفسهم.. وينبغي أن يستوعبه الذين صدّقوا تشكيكات أعداء الثورات فيما وراء دعمه وتأييده وتبنيه لهذه الثورات التحررية الحالية.  كما يجب أن يفهمه ويستوعبه الذين استغربوا تخلصه من علاقاته بحزب نصر الله وسوريا وإيران يوم ورطوا أنفسهم في حرب مذهبية طائفية نتنة بغيضة ؛ رغم سابق صداقاته ومصالحه معهم وإخلاصه لهم.  لقد رأت شعوبنا مجاملات من حكامها، بل رأت وسمعت زعماءها ينافقونها في مرحلة ما؛ فمنهم من بكى على الشاشات، ومنهم من راح يتحدث عن رغبته في الموت على ثرى الوطن أو تمسح بالتاريخ وبإنجازاته، ومنهم من تكلم بلغة البسطاء وادعى تفهم مطالب شعبه فقام يطلق الوعود والأمنيات ويقدم الرشاوى في لحظة فارقة.. لكن كل هذه المجاملات والمنافقات رصدتها شعوبنا فوجدتها لا تأتي إلا تحت وقع الضرورة أو في سياق المقايضة والتبادلية (كتنازلات هامشية في مقابل مكاسب إستراتيجية) وبهدف استغفال الرأي العام.. ووجدت أن هذه الحملان الوديعة سرعان ما تتحول إلى ضباع غادرة وذئاب قاتلة وقلوب سوداء إذا مس أحد، ولو من دون قصد، سلطاتهم ومميزاتهم أو سلطان ومميزات الدائرة العاشرة ممن حولهم من الأنصار والأعوان..  آخر القول: لم نرَ حاكما ولا وزيرا ولا حتى رئيس مخفر شرطة يتنازل وهو في كامل صحته وبمحض اختياره عن مميزات موقعه ؛ فكيف إذا كان الموقع هو الزعامة الأولى؟! وكيف إذا كانت التضحية بالحكم كله وبالسلطة وبكل مميزاتها التي لا توازيها أي مقتضيات مجاملة؟! لقد أعطى الشيخ حمد من نفسه القدوة على أن الحكم وعوائده الشخصية لا يستحق أن تقتل الشعوب من أجله ولا أن تسيل قطرة دم واحدة في سبيل مجده، واتضح عمليا أن ما حكم مواقفه الرائعة هو حسن نيته وفارق همته وبعد نظره..