18 سبتمبر 2025

تسجيل

خطاب الأسد.. عش رجباً تر عجباً

27 يونيو 2011

في ثالثة الأثافي بعد ثلاثة أشهر من الاحتجاجات المشروعة المحقة كما ذكر الرئيس بشار في أول خطاب له نهاية مارس الماضي أخرج اليوم ما في جعبته مما خف حمله من كنوز الإصلاح السحرية هذه المرة التي أراد بها أن يطلع علينا بعد غياب محير فكشف المستور بعد أن بلغ السيل الزبى، ورفع عقيرته واقفا على مدرج جامعة دمشق التي لم يكن الطلاب فيه حضورا اللهم إلا من كان مؤيدا أو له عذر الإحراج في الحضور ثم الإزعاج بالتصفيق، إلى أن انتهى الخطاب على حصان طروادة وسمعنا من قال: لافض فوه وإن من البيان لسحرا ومن قال: يا جماعة لا تنسوا أننا في شهر رجب وحالة: عش رجبا تر عجبا إن البلاء موكل بالمنطق تسمع بالمعيدي خير من أن تراه وبين هؤلاء وهؤلاء قرأت ما يقال أن الرئيس شنَّف أسماع الأمة بما أصاب كبد الحقيقة في الحديث عن الوضع السوري الراهن وطرح الإصلاحات المطلوبة فقلت: لقد أطنب القائد في كلامه ليعرف كل من في شوارع الشام أنه أوجس خيفة منهم ولكنه حريص عليهم ولذلك طبخ للجميع اليوم طبخة شهية في اعتباره وأراد منهم أن يأكلوا منها حتى لو لم تعجبهم ولم يستشر أحدا منهم في نوعها وطعمها، فهي من الرئيس الأوحد ولابد أن تكون لذيذة طيبة نافعة وفي عهد الفكر الشمولي للأب والابن فلابد للقطيع أن يستسلموا فالآخر لا مكان له إلا في نفسيهما حتى لو لم تكونا على حق وفضيلة. فماذا قال صاحبنا في بعض هذا الخطاب وأتى به من جديد، طبعا إن الأسطوانة التي تعود عليها شعبنا منذ أكثر من أربعة عقود هي الاتهام بالمؤامرة فما يقوم الأحرار به من احتجاجات سلمية فعلا ضده، إنما هي جارية في هذا السياق، إنها مؤامرة خارجية من سلسلة المؤامرات الكثيرة التي تعرضت لها سورية في تاريخها الطويل بسبب مواقفها السياسية، أي المشرفة، أي ليست المظاهرات عفوية انطلق بها الشارع نتيجة الاحتقانات والمظالم التي مر عليها قرابة نصف قرن وليست متأثرة باحتجاجات تونس ومصر وليبيا، ثم دعا إلى تقوية المناعة الداخلية والبحث عن نقاط الضعف وترميمها. أجل: أما المؤامرة فهو ومن لف لفه يدركون أن هذا ليس صحيحا البتة وأن الشعب المهضوم لم يطالب في بداية هبته إلا بالإصلاح والحرية والكرامة والتخلص من حياة القهر والذل والاستعباد والاستبداد وممن يا ترى: من فئة قليلة في أسرة وحيدة ومن يلوذ بها ممن سخروا أي تطوير أو تحديث في البلد لمصلحتهم لا لمصلحته ولا يوجد دليل واحد على أنها مؤامرة خارجية إذ ولدت هذه الثورة في بلادنا ولادة قيصرية ورغم أنها في طريق مخاض عسير فقد ولدت لأن طبيعة السنن الكونية والتاريخية أرادت لها أن تظهر إلى حيز الوجود بعد هذا الكمون الهائل من ضيق الخناق، أما العلاج بتقوية المناعة الداخلية لحل المشكلات فهو ووالده قبله هما اللذان أضعفا هذه المناعة حتى هزل الجسم القوي وتسببا في إلحاق الذل بكل سوري حر أصبح يخجل في عهدهما أن يقول إنه سوري لما لسورية من تاريخ عريق عظيم ومن أعلام بارزين بمواقفهم في جميع جوانب الحياة ولكن: لقد هزلت حتى بدا من هزالها كلاها وحتى سامها كل مفلس ومع ذلك فإن طبيبنا الذي انتقل من العيادة إلى القيادة أي من نطاسي إلى سياسي يبدو أنه نسي حقيقة التشخيص في العيادة العينية وأصبح جراحا بل جزارا يجيد الذبح والجرح والركل والعفس بل واغتصاب الفريسة الذي قام بها شبيحته دون غيره ومازالوا وبالرغم من هذا وبعد فساد أحد عشر عاما يحدثك عن الحل الداخلي وإصلاح الأحياء والأموات لتقوية المناعة إذ بهذا وحده أي الحل الأمني الأنجع تحل الأمراض وتنتعش الجسوم والنفوس من جديد، أما في باب السياسة التي هي حسن التدبير فأي تدبير أحسن من مخالفة المنطق وسحق أبجديات هذه السياسة من أجل السلطة والمغنم، وقد صدق الرافعي الأديب إذ يقول: إذا كانت المشكلة بين الذئب والحمل فلن يكون حلها إلا من أحد اثنين إما لحم الخروف أو عصا الراعي، وإذا كانت المصلحة في السياسة هي المبدأ فمعنى ذلك أن عدم المبدأ هو في ذاته مصلحة السياسة. وإن همّ مثل أولئك الساسة أن يقدموا دائما الكلمة الملائمة للوقت. أي تمويها وخداعا أقول: ولكن نسي الرئيس ومن معه أن الوعي بالحرية أصبح أمنع سد أمامهم وأكد القائد الذكي أن الحل الأمني أثبت فشله بإنزال الجيش والأمن لقمع الاحتجاجات بالنار مهما كان كلفة ذلك من ثمن ولكن بعد ماذا، بعد الصرخات والويلات والانتهاكات وقتل النفس التي طالت الجميع بما فيهم الشيوخ والنساء والأطفال والشباب الذين هم بأعمار الزهور، فهل قال هذا الملهم: حسبنا ما أجرمنا به، كلا إنه برر ضرورة إبقاء الجيش والأمن في المدن والأحياء لأن طبيعة المشكلة الآن تقتضي ذلك اعترافاً منه أن حكمه كما كان حكم أبيه لا يمكن أن يدوم بغير الدبابات والقمع وأن على الشعب أن يحاور جلاده مجبرا في هذا المناخ وإلا.. ونحن نعرف أن الجيش والأمن منذ عهد أبيه كانا الجهازين اللذين أشرفا على كل التحولات في الحياة وأرادا لها أن تأتي على صورتيهما وقد تحولت وزارة الدفاع وكذلك الداخلية إلى مركز تقرير للحياة العامة أي أصبحتا القوة الحاكمة وليستا من أدوات الحكم فحسب، وما الحزب الذي تسمى بحزب البعث العربي الاشتراكي، إلا تابع لهما وممنوع من القرارات المهمة وإن كل سوري نظيف شريف يعرف هذا كما يعرف الإنسان نفسه وأباه وأمه. وقال الأسد: إن العفو الذي أصدره مؤخرا لم يكن مرضيا للكثيرين على الرغم أنه جاء أشمل من غيره، إن جلدك وشعر رأسك يقشعر عندما تسمع هذا الكلام وتتساءل بحق: من يحاسب من ومن يعفو عن من؟ أبعد كل هذه الجرائم والفظاعات السابقة واللاحقة الحاضرة يتجرأ على مثل هذا المن والأذى، لقد اقترف الأسد بحق الضحايا ما يصلح حقيقة أن يعتبر جرائم ضد الإنسانية واليوم يريد أن يتصدق بالعفو على الأحرار أو يعفو المجرم عن غيره، أفبعد هذا المنطق منطق! نعم إننا نقول هذا بمعنى أنه هو المسؤول الأول والأخير عما جرى ويجري من المآسي وإن اشترك معه أخوه ماهر وأركانه وشبيحته الأوغاد.. وقال الأسد: إنه سوف يعرض قوانين للإصلاح السياسي ويكلف لجنة وهيئة للإعداد لحوار وطني يشترك فيه الجميع وسوف يستشير وزارة العدل في ذلك.. ما شاء الله!! متى كان الديكتاتور يأخذ برأي غيره ويحترم رأي القضاة، بل إن هؤلاء القضاة ليعرفون ذلك لأنهم ما داموا أصحاب دين وذكاء وضمير حي فإنهم يعرفون أنهم محكوم عليهم قبل أن يحكموا على الناس، والجدير بالذكر أن حرف "سوف" تكرر في خطاب الأسد كثيرا حتى سماه بعضهم: مستر سوف، أي لأنه لا يمكن أن يكون مصلحا كما يريد الحق وأهله وإنما يعمل ذلك لكسب الوقت أو عمل ديكورات وزخارف لا تنفع حين يهوي البناء. وأضاف الأسد: لا مبرر لأعمال القتل والتخريب في الاحتجاجات، وهذا كمن يقولون ضربني وبكى وسبقني واشتكى، أهكذا تورد الإبل يا سعد نعم إن الحرب خدعة ولكن مع العدو الإسرائيلي وسواه لا مع الشعب الذي لو كذبت في سبيله فلا مانع أما أن تكذب عليه وتقلب له ظهر المجن فهذا من صفات النعامة وإن كنت أسدا حقا وما من وسيلة إعلامية وشهود عياد وضحايا سقطوا وجرحى ومسجونين وفارين إلا ويشهدون أن الاحتجاجات "سلمية" وقد زورت أنت وحزبك وعصابتك الحقائق بجماعات مسلحة مزعومة لتبرر قمعك ولكن الشمس لن تغطى بالغربال وقد تمت الفضيحة للباطل على رؤوس الأشهاد عالميا. وقال المؤيدون: ألم يقدم الرئيس التعازي للضحايا واعتبرهم شهداء لأهيلهم وللوطن وحزن عليهم؟!! قلت إذا لماذا اعتبرهم مخربين وهو الذي ناقض نفسه لما قال بداية إن مطالبهم مشروعة هذا من جهة ومن جانب آخر، إنما يقول ذلك كي ينجو مستقبلا من قصاص المحاكم الدولية، حيث إنه منع إطلاق الرصاص ولكن لم يستطع فأخذ يترحم على الشهداء ليكون إثباتا له أيضا أنه لا يرضى بقتلهم! وقال الأسد: إنه تعجب لما فوجئ بعدد المطلوبين للعدالة في سوريا إذ بلغ 64 ألفا أي ما يعادل خمس فرق عسكرية،قلنا وهل هذا تم في غير عهدك المفسد وإن الله لا يصلح عمل المفسدين ولو فرضنا أن هؤلاء لم يكونوا كذلك ووجهناهم إلى جبهة الجولان اما يحررونها ولكن ماذا تقول للمكابر الفوقي المغرور المتعجرف المتجبر الذي لا ينظر بعين البصيرة، أما ما ذكره عن جوازات السفر وأنه أمر هو والمعلم بفتح اللام وزير الخارجية بمنح الوثائق للممنوعين فهذا حقهم لا منة لهما فيه ومع ذلك لم تنفذ الأوامر! مشكلتنا العويصة معك ومع نظامك أيها الرئيس الوريث أنكم قوالون غير فعالين بكل ما ذكرتم من أمور أخرى وردت في الخطاب، أما شأن النازحين إلى تركيا ولبنان والأردن فعليكم من الله ما تستحقون في إجرامكم الشامل وعودا على بدء فكما قال مصطفى الرافعي: إن النصر أخيرا لمن يحتمل الضربات لا لمن يضربها! [email protected]