13 سبتمبر 2025
تسجيلطوت حركة النهضة من خلال المؤتمر العاشر الذي اختتمت أعماله يوم الأحد 22مايو الجاري، مرحلة طويلة من تاريخها العقائدي والسياسي، بكل ما تضمنته من أخطاء وسوء تقدير وخيارات غير صائبة وتراجعات تكتيكية فرضها عليها الواقع التونسي، وتجارب أخرى للإسلام السياسي، وكذلك تغيرات طرأت في الواقع الدولي. فقد أقرت «حركة النهضة» الإسلامية في تونس، من خلال مؤتمرها العاشــر الأخير، الفصل بين السياسي والدعوي، بوصفه حصيلة لتوافقات داخلية بين التيارات الرئيسية التي تتكوّن منها الحركة، وذلك بعد جدل استمر أشهرًا حول هذه المسألة، بهدف التأقلم مع التطــورات الجارية في هذا البلد الذي كان المفجر الرئيس لما اصطلح على تسميته بـ«الربيع العربي»، إذ لا تزال تونس بمنأى عن النزاعات الدامية التي ضربت بقية دول «الربيع العربي». علمًا بأن دخول حركة النهضة في مرحلة جديدة قوامها الفصل النهائي مع العمل الدعوي، والتفرّغ للعمل السياسي، سيكون له تداعيات مستقبلًا في هيكلية الحزب ووزنه ومرجعيته وعلاقاته بالتيارات الإسلامية الأخرى في الدول العربية. انتهى المؤتمر العاشر لحركة النهضة، الذي انتخب فيه الشيخ راشد الغنوشي بحوالي 800 صوتًا، وبرئاسة الحركة للسنوات القادمة، في حين لم يحصل منافساه على الرئاسة، فتحي العيادي رئيس مجلس شورى الحركة إلا على 229 صوتا في ما حلّ محمّد العكروت في المرتبة الثالة بـ29 صوتا، بمعنى 258 صوتا غرّدت خارج «سرب الغنوشي»، فكيف ستتعامل هذه «الأصوات» الموجودة «خارج الصفّ» مع الشيخ راشد الغنوشي، فهل ستقبل بقواعد اللعبة أم أن أصواتها سترتفع أكثر مع كل أزمة محتملة استعدادا لمرحلة ما بعد الغنوشي منذ الآن؟ حركة النهضة دخلت في مرحلة جديدة لم تتضح بعد ملامحها، إن إعلان حركة النهضة الفصل بين الدعوي والسياسي، لا يعني أنها تخلت عن مرجعيتها الدينية، وفق ما أعلنه راشد الغنوشي في حواره الأخير لجريدة «الشروق» بالقول إن الدستور لا يمنع ذلك عندما نص على أن الإسلام هو دين تونس. والمقصود بالمرجعية الدينية حسب الغنوشي هو «المحافظة» أي أن النهضة ستكون حزبًا محافظًا يتمسك بالقيم وبثوابت الدين ويجعل من النهضة شبيهة بالأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا التي تحافظ على القيم المسيحية مثل التسامح والأخلاق والعدالة الاجتماعية والقيم الإنسانية النبيلة، وتعمل تحت سقف قيم الجمهورية العلمانية، على غرار الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني والأحزاب الديمقراطية بالدول الاسكندنافية، وتجمع بين الليبرالية الاقتصادية والبعد الاجتماعي والعدالة، وتولي الجانب الأخلاقي أهمية كبرى في الممارسة السياسية. فهل حركة النهضة ستتمثل نهج الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوروبا؟ لا شك أن النهضة ستُعلن تمسكها بالليبرالية الاقتصادية، لكنها تؤكد دوما على أنها ليبرالية أخلاقية أيضا أي تلك التي «تستثمر في المال الحلال وتنفقه في الحلال أيضًا» على حد ّقول الغنوشي، الذي يضيف أيضًا أن أفضل إنفاق يكون عبر الاستثمار لفائدة المناطق الفقيرة ومن أجل توفير مواطن الشغل. لقد شهدت حركة النهضة تحولات عديدة في مسيرتها التاريخية منذ بداية السبعينيات وليومنا هذا، من حركة عقائدية تخوض معركة من أجل الهوية إلى حركة احتجاجية شاملة في مواجهة نظام شمولي دكتاتوري، إلى حزب مدني تونسي متفرغ للعمل السياسي بمرجعية وطنية تنهل من قيم الإسلام. يبقى على حركة النهضة أن تقيم البرهان في مواجهة خصومها، والمشككين بتوجهاتها الجديدة، على أنَها أصبحت حِزبا مدنيًّا تونِسيًّا قلبًا وقالبًا وَلاؤُهُ لتونسَ وحْدَها، وعلى أنّ الإسلامَ لا يتناقضُ مع الدّيمقراطيّةِ، وهذا هو المعيار الحقيقي الذي يؤكد إعادة تأسيس حركة النهضة وفق مقتضيات الحداثة.