13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم تكن المباني العشوائية أو الشوارع المكتظة بالسكان - الذين يمتلكون وجوهًا رَسَم عليها البؤس والفقر آثاره - أو عدم توفر أدنى من الخدمات الضرورية كالنظافة والصرف الصحي ما جعلتني أشعر بالدهشة، إلا أنني شعرت بالدهشة حقًا عندما رأيت الآلاف من الكوابل التي تمر من فوق رؤوس المارة كشبكة عنكبوت قبيحة تريد الانقضاض على البشر، لقد كانت خطوط الكهرباء والماء والهاتف والإنترنت، كلها متشابكة، وتمر فوق الشوارع بارتفاع توشك فيه على ملامسة رؤوس الناس.. بل الأطفال. فضلًا عن أن منظر تساقط المياه من بعض الخراطيم التالفة (في بعض المواقع) على خطوط الكهرباء والهاتف كانت تجعل الأفئدة تعتصر حزنًا وأسى، ناهيكم عن أن عددا من السكان فارقوا الحياة بسبب صعقات كهربائية ناتجة عن سوء التمديد. نعم، هنا مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في بيروت، صبرا، شاتيلا، برج البراجنة، تلك الأسماء التي طالما سمعت بها ورغبت بزيارتها ولقاء أهلها الذين شهدوا أفظع النكبات والمآسي في تاريخ أمتنا، تلك الأماكن التي أصبحت مركز تجمع للاجئين الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم من بلادهم بشكل قسري وممنهج على يد الاحتلال الإسرائيلي ما بين 1948 - 1967، نعم، هذا هو حال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين جنوب بيروت. نعم، منذ التهجير وحتى يومنا هذا، يعيش إخواننا الفلسطينيون في منازل أقيمت على عجل، وأكواخ رثّة آيلة للسقوط، ومنذ ذلك الحين توقفت الحياة بالنسبة لهم وكذلك الأحلام والآمال، نحن نتحدث عن أكثر من مائة ألف إنسان باتوا في طي النسيان. مذبحة صبرا وشاتيلاكلما ذكرت الحرب الأهلية في لبنان تبادرت مذبحة صبرا وشاتيلا إلى الأذهان، تلك المذبحة التي قامت بها بعض الميليشيات المسيحية اللبنانية الموالية لإسرائيل، يوم 16 سبتمبر 1982، في مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين، لم يعرف عدد القتلى في المذبحة بوضوح، وتتراوح التقديرات بين 750 و3500 قتيل من الرجال والأطفال والنساء والشيوخ المدنيين العزل من السلاح. جاء تنفيذ الجريمة بإيعاز من جزار بيروت "أرئيل شارون"، حيث كان المخيمان مطوقين بالكامل من قبل جيش لبنان الجنوبي الموالي لإسرائيل والجيش الإسرائيلي الذي كان تحت قيادة أرئيل شارون، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لوزراء إسرائيل. وقتئذٍ، سمع العالم عن وجود مخيم للاجئين الفلسطينيين في بيروت، وتذكر العالم وجود آلافٍ من الفلسطينيين يعيشون فيه بعيدًا عن أراضيهم بعد أن تم تهجيرهم منها على يد القوات الإسرائيلية، وقتئذٍ، شاهد العالم بأسره عشرات الآلاف من البشر الذين يعيشون في أوضاعٍ تخلو من الإنسانية، وبعد أن وضعت الحرب الأهلية في لبنان أوزارها، نسي العالم هؤلاء اللاجئين مرّة أخرى. دخلت إلى إحدى الحدائق الصغيرة في مخيم شاتيلا الذي شهد تنفيذ أسوأ وأكبر مذبحة في تاريخ لبنان، لقد شَهِدَت تلك الحديقة حادثة إعدامات ميدانية نفذت بحق مجموعة من الشبان الفلسطينيين، لقد كان ذلك المكان قبيحًا للغاية، ولم تنبت الأعشاب منذ المجزرة على التراب الذي انهمرت عليه دماء الفلسطينيين، فيما كتب على أحد جدران تلك الحديقة المنسيّة عبارة “Sabra&Shatilla Massacre” (مذبحة صبرا وشاتيلا) التي تثير في النفس رعبًا تدفع الأحشاء إلى الاضطراب. وبحسب ما قاله لنا السكان المحليون، فإن بعض الذين قتلوا في المذبحة، تم دفنهم في هذا المكان.. ولكن لا أثر للقبور في الحديقة حيث تم تسويتها بالأرض. الشوارع التي ازدحمت فيها النعوشإن مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في الشتات بشكل عام وفي صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة بشكل خاص، هي عبارة عن عشوائيات كبيرة، وليست كما يوحي اسم المخيم المرتبط بالخيام، لقد بنى الفلسطينيون تلك الأحياء الفقيرة بأيديهم وبشق الأنفس، لذا فهي بعيدة كل البعد عن التنظيم، والتمدّن، وتفتقر بشكل كبير للخدمات والبنى التحتية والإمكانات التي توفر فرصة التطور، كما أن معظم خطوط الصرف الصحي المقامة بوسائل بدائية مصابة بالتلف، وتتسرب منها المياه نحو الشوارع والأزقة الضيقة، التي لا تتسع لمرور شخصين من جانب واحد. وقد حدثني "أيوب جوشقن" مراسل وكالة الأناضول للأنباء في بيروت منذ 16 عامًا، والذي رافقني في جولاتي إلى المخيمات، قائلًا: "إن أزقة المخيم لا تتسع لتوابيت الموتى، ما يدفع الأهالي إلى تناقلها من فوق أسطح المنازل، لإيصالها إلى أحد الشوارع الرئيسية ومن ثم المقبرة". اللاجئون الفلسطينيون الجدد القادمون من سوريايعيش نحو 26 ألف لاجئ فلسطيني في برج البراجنة الذي لا تتجاوز مساحته نحو 1 كيلومتر مربع، ويضم هذا المخيم على أرضه أعلى كثافة بشرية في العالم، لا يوجد إحصاءات رسمية حول عدد سكانه وكل الأرقام الموجودة هي عبارة عن تقديرات، وقد تكون أعداد سكان المخيم أكثر من تلك التقديرات، حيث تشير بعض التقديرات إلى وجود نحو مائة ألف نسمة في المخيمات الثلاثة التي سبق الإشارة إليها، وإذا أضفنا إلى هذا الرقم، أعداد اللاجئين الفلسطينيين الذين توافدوا على المخيم من سوريا بسبب الحرب الأهلية التي تشهدها البلاد، فإننا سنلاحظ أن الرقم قد ارتفع بشكل كبير وتجاوز مرحلة المعقول. وعلى الرغم من الكثافة السكانية الهائلة، فإن المخيمات الفلسطينية تفتقر إلى الحد الأدنى من توفير الوظائف والصحة والتعليم والمأوى اللائق، إضافة إلى كومة كبيرة من المشاكل لعل أبرزها توفير التعليم للأطفال والشباب، ورعاية المسنين، وتأمين معيشة الأسر، وإلى جانب كل هذا وذاك جلب الفقر المدقع مشاكل وأمراضا اجتماعية أخرى، وولد التقاتل والصراعات ووفر بيئة خصبة لبعض الجماعات الإجرامية، ودفع بعض الشباب لتعاطي المخدرات وحبس آخرين في غياهب قائمة طويلة من المشاكل النفسية، خاصة وأن الحكومة اللبنانية لا تمنح اللاجئين الفلسطينيين إذنًا للعمل فيها، ناهيك عن أنها لا توفر لهم أي وظائف أو دعم ما يدفع شباب المخيمات نحو النزول إلى المدينة والعمل في قطاعات غير قانونية. سكان المخيمات الفلسطينية، هم شريحة اجتماعية طوتها صفحات النسيان، وبات العالم لا يتذكرها، ولا يتذكر أن أبناءها هم أولئك الذين أخرجوا قسرًا من أراضيهم وبيوتهم التي اغتصبت. نعم صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، هي تلك الرقعة من العالم التي بقيت حبيسة في صفحات تاريخ قاتم، والتي طمست لكي لا يستطيع أحد تذكرها.