14 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تعتبر العلاقات الخليجية- الأمريكية علاقات استراتيجية طويلة الأمد، وتتمتع بالديناميكية والحركة السياسية الفاعلة، ولم تكن وليدة تطورات أو أحداث سياسية لحظية، بل استندت على مصالح مشتركة "عسكرية واقتصادية وأمنية وغيرها". ولو تتبعنا تاريخ هذه العلاقات سنجدها منذ زمن ليس بالقريب وعبرت الكثير من التجارب والتحديات والمواقف، تقاربا واختلافا وتعاونا وتمنعا، لكنها مع ذلك لم تصل إلى مرحلة القطيعة لأسباب موضوعية تحكم مسار هذه العلاقات المشتركة بين الطرفين.وبالنظر الى طبيعة هذه العلاقات نجدها تتمحور في اتجاهين مكملين لبعضهما من خلال حاجة كل منهما للآخر، ولا يمكن النظر إلى الموقف السياسي لمنظومة دول مجلس التعاون باعتبارها تابعة للفلك السياسي الأمريكي، لأن المنظومة الخليجية تتمتع بالتقارب السياسي والتاريخ المشترك وتقارب المواقف والمصالح وفي ردود الأفعال تجاه القضايا الدولية وفي مقدمتها قضية العرب الاولى "القضية الفلسطينية" بالاضافة إلى التحديات الأخيرة المتمثلة في الإرهاب ومطالب التغيير كما هو الحال في ثورات الربيع العربي.ولبحث الحالة الخليجية- الامريكية واستكشاف مقوماتها، نبدأ بالنظر إلى الحاجة الخليجية الملحة لهذه العلاقة وتطورها، حيث تكمن أساسياتها في المعاهدات العسكرية والدفاع المشترك، والذي يعتبر في طليعة هذه الحاجة ومن ثم التكنولوجيا وبيع الاسلحة المتطورة، بالاضافة الى العلاقات الدولية المعقدة، ودور أمريكا المؤثر في حل مشاكل المنطقة.أما الحاجة الأمريكية لدول الخليج العربي فهي اقتصادية في المقام الأول، يضاف إليها بعض القضايا السياسية المتعلقة بأهمية منطقة الشرق الأوسط في السياسة الدولية، حيث يعتبر الخليج أكبر سوق عالمي يتمتع بقوة شرائية، بالإضافة إلى أن الخليج لديه 30 % من احتياطي الطاقة بالعالم.ولأمريكا مصالح في تسوية النزاعات في المنطقة حيث لا تستطيع القيام بهذا الدور دون مساعدة دول الخليج وفقا لملفات مشتركة اتضحت من خلال بعض القضايا بالمنطقة، كالأزمة اليمنية والحرب في سوريا والوضع بالعراق، وما تم الاتفاق عليه بشأن مفاعلات إيران النووية، بالاضافة إلى مكافحة الارهاب وما نتج عنه من قيام ما يسمى بـ "الدولة الاسلامية".كما أن السياسة الأمريكية بالمنطقة لها أهداف وأجندات نجدها تسير في مسارين متوازيين، حيث إنها الداعم الرئيسي للدولة الصهيونية/ اسرائيل/ وبقائها كقوة إقليمية لها وزنها بالمنطقة، بالاضافة الى المصالح التي تحكم العلاقات الامريكية- الايرانية وما نتج عن المحادثات الاخيرة بشأن برنامج إيران النووي ورفع العقوبات عنها.. في حين نجدها تسير في المسار الآخر بتوطيد العلاقات مع دول الخليج العربي.ولعل القمة بين أوباما والزعماء الخليجيين الأخيرة في كامب ديفيد وضعت التصورات والأطر العريضة لمستقبل هذه العلاقات، في ظل ما يدور في المنطقة من مشاكل ومواقف تتطلب التفاهم والحزم في القرارات بشأنها.إن العلاقات الخليجية- الأمريكية تعرضت للكثير من النقد والتحليل والتفسير والتقييم من كتاب عالميين ومراكز بحثية أمريكية وأوروبية وعربية، ووسط هذا الزخم استوقفني عدد من المقالات والتحليلات لعدد من السياسيين والكتاب والاعلاميين بشأن ما أسفرت عنه هذه القمة، حيث تضاربت آراؤهم بين من هو متفائل ومن هو متشائم، أو بمعنى أصح غير راض عن الموقف الأمريكي، ولكن تبقى تصريحات سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني أمير البلاد المفدى حفظه الله ورعاه والتي أزاحت شيئا من الغموض عن تلك المحاثات، عندما صرح سموه للصحفيين وبحضور الرئيس الأمريكي والزعماء الخليجيين بأن ما تمت مناقشته في القمة تعد قضايا مصيرية، حيث أكد أن دول الخليج لا تجامل على حساب أمنها الإقليمي وان لديها تخوفات تريد من الجانب الامريكي توضيحا بشأنها.. فملف إيران النووي يشكل أهمية بالغة بالنسبة لدول الخليج التي أكدت على لسان سموه ترحيبها بالاتفاق مع الدول الكبرى من أجل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية.ولكن من جهة أخرى، ومن خلال اطلاعي ومتابعتي لبعض خطابات الرئيس الأمريكي ومقابلاته الصحفية خلال الفترة الماضية التي تناول فيها المنطقة بشكل عام والعلاقات الامريكية بدولها والمصالح المشتركة، وجدت أن بعضاً منها محبط، ولا يدعو الى التفاؤل ولا يمكن الوثوق به والركون إليه... حيث ذكر الرئيس الامريكي في مقابلة له مع موقع "بلومبيرغ" بتاريخ 27 فبرير من العام 2014 ردا على سؤال بشأن العرب والإيرانيين، أجاب اوباما "انه عندما تنظر الى السلوك الايراني ستجدهم استراتيجيين وليسوا متهورين ويملكون رؤية عالمية وينظرون الى مصالحهم ويستجيبون لعوامل الكلفة والفائدة وهذا لايعني أن إيران ليست دولة ثيوقراطية "دينية" وتتبنى كل الأفكار التي أعتبرها بشعة ولكنها ليست كوريا الشمالية.. إيران دولة كبيرة وقوية وترى نفسها لاعبا على المسرح الدولي. ولا أظن أنها دولة انتحارية، بل يمكنها الاستجابة للحوافز" وعند سؤاله عن انزعاجات دول عربية من إيران جاء رده: "اعتقد أن هناك تحولات تحدث في المنطقة وهي تحولات أخذت الكثيرين منهم على حين غرة، والتغيير يبعث دائما على الخوف. أي أن انزعاجهم ينم عن مفاجأتهم بما حدث وأنهم يخافون التغيير بدل الاستجابة والتأقلم مع متطلبات التغيير".وقال في حديث آخر لصحيفة نيويورك تايمز خلال هذا العام "إن أكبر الاخطار التى قد تواجهها دول الخليج لن تأتي من غزو إيراني، بل من عدم رضا من داخل هذه البلدان". وهذا الحديث يشير فيه الرئيس الأمريكي الى أن مشكلة الخليجيين الرئيسية تكمن في عدم تقبلهم للتغيير من الداخل وليس من إيران.ومن هنا أرى بأن هذه اللقاءات الصحفية للرئيس الأمريكي لا تدعو إلى الطمأنينة والوثوق بالموقف الأمريكي من دول الخليج العربي. فقد خذلتنا أمريكا في عدد من الملفات بغض النظر عن ملف إيران وما يشكله من أهمية، كذلك كان موقفها سلبيا ومترددا تجاه الحرب في سوريا وقيام النظام هناك بقتل ما لايقل عن 190 ألف سوري وتشريد ولجوء أكثر من ثلاثة ملايين، إلى جانب نزوح أكثر من ستة ملايين ونصف المليون، وذلك وفقا لتقرير الأمم المتحدة الذي نشر في جنيف.وعليه فإن التعاون المشترك بين دول الخليج فيما بينها يعد صمام الأمان لهذه الدول من كل الأخطار المحدقة بها وخير دليل قرار "عاصفة الحزم" الذي اتخذ بشكل مفاجئ وسريع أذهل الخبراء والسياسيين وجعلهم في صدمة من جرأة القرار ودخول دول المنطقة في دعم عسكري مباشر للمحافظة على اليمن الشقيق والقيادة الشرعية فيه وانقاذه من سيطرة الحوثيين وماتقدمه لهم ايران من دعم يشكل تهديدا مباشرا لدول الخليج العربي.أما مستقبل التعاون الخليجي الأمريكي فانه يجب أن يرتبط بالنوايا الامريكية بشأن المنطقة ويراعي أمنها ومصالحها الاستراتيجية ويتضمن ذلك أن تدعم واشنطن نجاح عاصفة الحزم وعملية الامل في اعادة التوازنات السياسية والحسابات القائمة، والتوصل الى حل للازمة السورية بما يلبي تطلعات الشعب السوري الشقيق في اقامة دولة القانون والتعددية السياسية.. وأخيرا على القوى الدولية أن تعي ضرورة التأكيد على أن أمن دول الخليج من الثوابت ولا يمكن المساومة عليه مع إيران.