13 سبتمبر 2025
تسجيلوصلاً لما بدأناه فى المقالات السابقة عن حظوظ المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية المقبلة، نخصص هذا المقال للحديث عن الحزب الديموقراطي الذي تنتمي إليه، من حيث نشأته ومواقفه السياسية من القضايا المختلفة. يعد الحزب الديموقراطي أحد أقدم الأحزاب المستمرة في العالم، ويرجع بجذوره إلى ما كان يعرف بالحزب الديموقراطي الجمهوري، الذي أسسه كل من توماس جيفرسون وجيمس ماديسون، فبعدما ظهرت الخلافات بين الآباء المؤسسين، انقسموا إلى فريقين الأول بقيادة ألكسندر هاملتون، ونادوا بحكومة مركزية قوية، واقتصاد قائم على التصنيع، وعلاقات وثيقة مع المملكة المتحدة، والثاني، تزعمه توماس جيفرسون، وجيمس ماديسون، وأكدوا على حقوق الولايات، واقتصاد يقوده صغار المزارعين، وعلاقات خارجية أقرب إلى فرنسا، ومن هؤلاء ولد الاتجاه الديموقراطي، ولكن "الحزب الديموقراطي" لم يظهر ككيان مميز إلا في العام 1828 بانتصار أندرو جاكسون، الذي يعد الأول في سلسلة خمسة عشر رئيسا ديموقراطيا تولوا رئاسة الولايات المتحدة. عرف الديموقراطيون فى البداية باسم الجمهوريين! وأطلق عليهم خصومهم اسم الديموقراطيين، كنوع من التشنيع عليهم، واتهامهم بأنهم أنصار لحكم الغوغاء. ولكن لاحقا أصبح الحزب يستخدم وصف الديموقراطي دون الإحساس بأى حرج، ثم صار ذلك هو الاسم الرسمي للحزب منذ العام 1844. ولم تكن هذه المرة الوحيدة التي يستفيد الديموقراطيون من خصومهم فيها، فالمرة الثانية كانت بمناسبة اختيار رمز الحزب، فعندما وصف المعارضون للديموقراطيين الرئيس جاكسون "بالحمار"، في إشارة إلى غبائه وعناده، استمر الديموقراطيون فى استخدام نفس الوصف للإشارة إلى حزبهم، حتى أصبح الحمار هو رمزهم الرسمي. كثرة الأعضاء الأوربيين داخل الحزب خلال العقود الأولى من القرن العشرين أدت بالحزب إلى تبنى مواقف خارجية متضاربة في كثير من القضايا، وقد استجاب قادة الحزب للمشاعر المتداخلة بطرق مختلفة، واستغرق الأمر حتى تولي فرانكلين روزفلت الرئاسة لتطوير سياسة خارجية تحكمها الاعتبارات الاستراتيجية للولايات المتحدة وليس مصالح المهاجرين الأوربيين.ورغم ذلك انقسم الديموقراطيون في أعقاب الحرب العالمية الثانية حول طريقة التعامل مع الاتحاد السوفيتي، ففيما أسس فرانكلين روزفلت سياسته على أساس من إمكانية التعايش مع السوفييت، فإن خليفته هاري ترومان تخلى عن سياسة التعايش وتبنى سياسة المجاهرة بالعداء. وخلال الحرب الباردة اتحد الديموقراطيون والجمهوريون خلف مقولات كينان حول سياسات الاحتواء، وبرغم ذلك كان دائما ما يوجه الاتهام إلى الديموقراطيين أنهم غير حاسمين في عدائهم للشيوعية، وأنهم الاختيار الأسوأ عندما يتعلق الأمر بالشؤون الدفاعية، وأنهم لا يمكن الوثوق بهم فيما يتعلق بالأمن القومي. ولهذا السبب افترض البعض أن رئيسا جمهوريا مثل ريتشارد نيكسون هو من يمكنه التعامل مع الصين، ومن يمكنه الدخول في صفقات لتخفيض التسلح مع الاتحاد السوفييتي. وفي أعقاب نهاية الحرب الباردة، عانى الديموقراطيون من اتهامات مماثلة بشأن عدم وضوح رؤيتهم بخصوص المشاكل الدولية، واتهم حزبهم بأنه قابل للاستدراج بسهولة للتدخل الخارجي لاعتبارات إنسانية، والتضحية بالمصالح القومية الأمريكية بهدف الالتزام باتفاقات دولية.انقسام داخلي مماثل حدث أيضا بمناسبة الحرب في فيتنام، فالرئيس الديموقراطي جون كينيدي كان أول من أرسل بطواقم أمريكية عسكرية للعمل كمستشارين، وفي عهد ليندون جونسون تم التوسع في القوات لتضم طواقم من المقاتلين، حتى أصبح نمط القيادة الذي مثله جونسون محل انتقاد لمن هم داخل وخارج الحزب، فمن هم خارج الحزب اتهموه بأنه لم يكن يدير الحرب بالشدة اللازمة، أما من هم داخل الحزب فكانوا يرون أن الحرب كانت غلطة تورط فيها الديموقراطيون.ولا تشكل السياسة الخارجية العنصر الوحيد المثير للانقسام داخل الحزب، إذ تشكل التجارة عنصرا إضافيا للانقسام بداخله، فعلى الرغم من سمعته كمساند للتجارة الحرة، فإن ثمة مواقف مختلفة بداخل الحزب الديموقراطي يمكن التمييز في إطارها بين أربعة اتجاهات: الاتجاه الأول يمثله اليسار الجديد New Left، ويعكس موقف الجناح الأكثر ليبرالية داخل الحزب، ويشجع تدخل الحكومة لصالح الفئات الأقل حظا، من السود، والمقعدين، والمهاجرين، والشواذ، ويتميز بنزعة غير تدخلية على المستوى الخارجي، ويتمتع بشعبية وسط الشباب والأقليات، ومن هذا المعسكر ظهر المرشح السابق جيسي جاكسون. الاتجاه الثاني ويمثله الليبراليون الجددNeo-liberals ، وانشق هذا الاتجاه عن اليسار الجديد، ليؤكد على التنافسية بدلاً من فرض الضرائب من أجل الإنفاق على برامج الرفاه، ولكنه رغم ذلك يؤيد الحريات المدنية وحقوق الأقليات. الاتجاه الثالث ويمثله النظاميون Regulars، وهم التيار الرئيسي داخل الحزب، ممن يؤكدون على تدخل الحكومة في الاقتصاد، وأهمية برامج الرفاه الاجتماعي، ولديهم نزعة تدخلية على مستوى السياسة الخارجية.الجنوبيون Southerners، وينتمى إليهم كل من بيل كلينتون وآل جور، ولدى هذا الاتجاه نزعة محافظة في العديد من القضايا، وهم أقل حماسا للتدخل الحكومي، وأكثر تفضيلاً لسياسات السوق الحرة، ومواقفهم أكثر تشددا على مستوى السياسة الخارجية، ولا يكادون يختلفون عن الاتجاه الجمهوري المحافظ إلا في موقفهم من الإجهاض وحق حيازة السلاح. ولذا لا يبدو غريبا أن كلينتون قد حصل على أصوات خصومه من الجمهوريين عند مناقشة الانضمام لاتفاقية منظمة التجارة العالمية وتوقيع اتفاقية الدولة الأولى بالرعاية في التجارة مع الصين، في الوقت الذي عارضه كثير من حلفائه الديموقراطيين.ومنذ الدورة الرابعة عشرة للكونجرس والتي تلت انتخابات العام 2014، يشغل الحزب الديموقراطي أقلية في مجلسي النواب والشيوخ، كما يمثل أقلية في معظم مجالس الولايات. ولذا فإن انتخاب رئيس ديموقراطي يحتاج إلى كسب الجماهير الأمريكية بالأساس، وهذا ما تجيده مرشحة مثل هيلاري كلينتون، التي يمكنها أن تتغلب على ضعف تمثيل الديموقراطيين في كافة المجالس النيابية، بقدرتها على التواصل مع الجماهير وحضورها الذاتي، وهما الأمران اللذان يصنعان فارقا كبيرا لدى الناخب الأمريكي.