11 سبتمبر 2025
تسجيلمحفل ضخم منقول على العديد من وسائل الإعلام بما فيها الحكومية منها. المكان إحدى الدول العربية الشقيقة. الزمان قبيل الربيع العربي بعدة سنوات. الموضوع أضخم حفل لتخريج أكبر عدد من حفظة كتاب الله تعالى. يتسابق مشايخ الشاشات ومحبوبو الجماهير لاعتلاء منصة الشرف وإلقاء الكلمات الرنانة. أحد المفكرين الأعلام هنا في قطر يُطلَب منه أن يلقي كلمة فيرفض !!! يا أخي الناس تتسابق علينا على الأبواب وتترجانا وأن نترجاك فترفض؟! يصر عليه … ويرفض.. ثم يوافق على الحضور فقط.. مستمعا دون كلام! يسافر ليحضر.. ويبدأ الاحتفال والكلمات الرنانة وهو صامت منصت لم يهمس ببنت شفة، يصر عليه من دعاه لأن يلقي كلمة.. أي كلمة! فيقول: "الله يعينكم عليهم"! يا أخي أقول لك حفظة كتاب الله بالمئات ونحن في هذا الزمن من الحرب الشعواء على التدين.. بدل أن تسألهم أن يدعوا لنا تقول الله يعيننا عليهم! يقول: نعم.. فالخوارج معظمهم حفظة لكتاب الله تعالى! فالكتاب هو الكتاب، لكن المشكلة في فهم هذا الكتاب! إنه العقل ياسادة … إنه التفكير!!! فالمطلوب إقامة المعاني لا المباني وإشغال الفكر بالفهم لا بصف الحروف وتقليب الصفحات! نحن نعاني من أزمة فعلية أزمة فكر وتفكير، نحتاج لإعمال عقولنا لترتقي وتصل بعد مرحلة الإعمال لمرحلة التفكير، فترتقي ثانية وتصل لمرحلة الذكاء الجمعي، حتى إذا ماوصفت أمتنا بشيء وصفت بأنها أمة ذكية، وجميعنا في عقلنا الباطن نصف أمة اليابان بمثل هذا الوصف! قديما قال رينيه ديكارت: "أنا أفكر إذن أنا موجود"، وهو قول حق من وجه، إنه أمر من المفترض أن يكون خارج الجدلية، أنت بشر إذن فأنت مفكر وإلا فما يميزنا عن سوانا من مخلوقات الله! كأني أسمع أحدهم يقول: هذه حالة جزئية لا يمكن تعميمها، كفانا تضخيما لمشاكلنا وجلدًا للذات! يا أخي صدقني ليس تضخيما، إنها فعلاً ضخمة وجوهرية من الجذور، ياسيدي دعك من هذه القصة وإن كان وراءها ماوراءها من ألف قصة وقصة، خذ بعض الإحصاءات وأدرك، فالإنتاج المعرفي العربي مستمر ولله الحمد … ولكن مستمر في النزول! فالبلاد العربية على امتدادها تنتج 0،0002% من الانتاج المعرفي العالمي في حين أن اسرائيل تنتج 1%.. آخذين بعين الاعتبار أن عدد العرب تجاوز ال430 مليون نسمة في حين أن إسرائيل تضم ما يزيد عن 8 مليون نسمة حسب آخر الإحصاءات! وأما عن عدد الكتب المنشورة في العالم عربي في العام فلكل 13 ألف عربي عنوان واحد، بينما في ألمانيا لكل 600 نسمة كتاب! ياسيدي يكفيك أن قائمة أفضل 100 جامعة على مستوى العالم لا تضم أي جامعة عربية! تفكير غائب !! في حين أن الوحي الإلهي بدأ بكلمة.. بل بدأ بِ (أمر) صريح واضح جلي، بدأ بكلمة (اقرأ)، والوحي الإلهي ذاته الذي يحفظه أصحابنا مليء من أوله لآخره بالدعوات للتفكير من قبيل: أفلا يتدبرون.. أفلا تعقلون..لعلهم يتفكرون.. لعلهم يفقهون.. لعلهم يرشدون! يا أخي إنها فريضة... غائبة.. إنه غياب لأمر لازم مأمورون به، مأمورون به شرعا وعقلا وخلقا، مأمورون به حاضرا ومستقبلا، مأمورون به في حيثيات يومنا الصغيرة من قبيل حلول الزحام المروري وكتابة الإيميلات واستثمار الوقت وزيادة الفاعلية … وفي مستقبل أمتنا ومستقبل التلوث البيئي والتغير المناخي والذكاء الاصطناعي والبيانات الكبرى وانقراض الأنواع الحية … وفي الأفكار الكبرى من قبيل، لم أنا موجود؟ ماذا بعد هذه الحياة؟ لم هذه الدماء تهراق على مر الزمان؟ لم هذا الخلاف الأيديولوجي … أسئلة كثيرة تستدعي منا التفكير وزيادة التساؤل. عن نفسي، ترعرعت ونشأت والسؤال الوحيد الذي يسأله جدي لجدتي في آخر النهار هو: "شو بدك تطبخي لنا بكرا؟!" إن كنت موصيا أحدكم، فهو أن تنقلوا هذه الدعوة، دعوة للتفكير، حتى تصبح وتمسي عدوى غير قابلة للانحسار مهما استخدم ضدها من مضادات حيوية، تصبحون على أمل.. تصبحون على عمل.