12 سبتمبر 2025

تسجيل

نحو منهجية علمية في تناول ظاهرة القيادة

27 أبريل 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عندما عدت من الولايات المتحدة الأمريكية متخصصاً في مجال القيادة التربوية وتنمية الموارد البشرية قبل عقد من الزمن كان عدد من يطلقون على أنفسهم خبراء أو مدربين في القيادة أو التنمية البشرية في العالم العربي لا يزيد عن عدد أصابع اليد الواحدة، أما اليوم فإن الصحف وأجهزة التواصل السمعي والمرئي ومواقع التواصل الاجتماعي بتنوعها تزخر بكثير من الإعلانات والدعوات لحضور ندوة أو محاضرة أو ورشة تدريبية لذلك الخبير في القيادة أو المدرب في مجال التنمية البشرية.ولا شك أن لهذا الأمر مزاياه العديدة في ضوء الحاجة الماسة لهذا التخصص في البلدان العربية عموماً، إلا أن خطورة هذا الأمر -من ناحية أخرى- تتمثل في ما يمكن أن يطلقه بعض هؤلاء المدربين من مفاهيم مغلوطة، وتعميمات خاطئة تتعلق بالقيادة، تستند إلى ما يمتلكونه من معرفة بسيطة حول ظاهرة القيادة، ويتعاملون معها على أنها ثوابت معرفية مهارية في القيادة غير قابلة للتغيير، يتشربها المتدربون في برامجهم التدريبية ذات الموضوعات المتنوعة ويبدأون في تطبيقها في مؤسساتهم بوصفها ممارسات قيادية متميزة مستندة إلى نتائج بحثية حديثة. مواكبة المستجدات البحثيةوتظهر أهمية القول السابق في خطورة عدم مواكبة هؤلاء المدربين للمستجدات البحثية في مجال القيادة جليّة، عند مناقشة قضية قيادية مختارة طال الحديث فيها وتشعب، مناقشة علمية بحثية تواكب المستجد، لا مناقشة تستند إلى كتب قديمة تكرّر طباعتها رغم قدم ما فيها من آراء، أو استناداً إلى رؤية خاصة قد تكون خاطئة في بعض الأحايين لشخصيات نعرفها أو نزاملها أو نقرأ عنها. ولعل المثال الأبرز المجسد لهذه القضية هو النقاش الأزلي حول ما ماهية القيادة؟ وهل هي طبيعة أم صناعة؟، وهل يولد البعض ليقودوا المؤسسات بسمات يمتلكونها أم بجينات يورثونها (والأمران مختلفان)، أم أن الأمر لا يتعدى البيئة ونتاج تأثيراتها؟.وفي عجالة أوضح أن ظاهرة القيادة ظلت حتى نهاية القرن التاسع عشر مرتبطة في معظمها بخرافات وأساطير وصور ذهنية نمطية مضللة. فالقيادة تصلح لأشخاص أسطوريين، لهم طبيعة خاصة، يظهرون في الأزمات وأزمنة الحروب، يمتطون صهوة جيادهم، ويمتلكون القدرة على قتال الأعداء، وإثارة الحماسة في الجند، وقيادة المعركة بشجاعة ممزوجة بالذكاء والحنكة. ولا شك أن مثل هذه الأساطير والخرافات والتعميمات الخاطئة متفرقة ومجتمعة قد أثرت في ما لدى بعض المدربين من معتقدات ومسلمات وتعميمات حول من يستحق أن يلعب أدواراً قيادية في مؤسسات المجتمع ومنظماته باختلاف مستوياتها، وسمات القائد فيها وخصائصه وأدواره. وأصبحوا يصنفون الأفراد بالقادة استناداً إلى سمات وخصائص يُعدّ من أحصاها قائداً بالطبيعة أو الفطرة.إلا أن الدراسة العلمية لظاهرة القيادة التي بدأت مطلع القرن العشرين جاءت لتقلل -في ذلك الوقت -من النظر إلى القيادة بوصفها قوة طبيعية خارقة أو خصائص فطرية جينية يفترض في من يمتلكها أتباعه، والإعجاب به.وأصبح ينظر إلى القيادة بوصفها كفايات يمكن اكتسابها ومهارات يمكن تعلمها وعملا إنسانيا يحتمل الصواب والخطأ والنجاح والفشل. فالقادة يولدون بالتأكيد ولكنهم بعد ذلك يُعدون ليكونوا قادة.أما البحوث الحديثة الجارية في هذا الشأن فيشير بعضها في نتائجه بحذر إلى عودة الافتراض بوجود استعداد فطري جزئي لدى بعض الأفراد لشغل دور قيادي وذلك من خلال اكتشاف علاقة ارتباطية بين إشغال دور قيادي لأفراد تمت دراستهم، ومكوّن موجود على أحد جيناتهم، إلا أن نتائج هذه الدراسات ما تزال تقترح أن إشغال الفرد لموقع قيادي هو نتاج معقد لتأثيرات جينية وبيئية.ولا يختلف الأمر كثيراً في تعريف مفهوم القيادة فقد قدم المهتمون والباحثون في مجال القيادة مئات التعريفات لمفهوم القيادة، بل ذهب بعضهم إلى وجود تعريفات للقيادة تقارب في عددها عدد الباحثين الذين حاولوا تعريفها، ذلك أن الباحثين عرفوا القيادة اتساقاً مع رؤيتهم لها وجوانب الظاهرة الأكثر أهمية بالنسبة لهم. فقد قدمت القيادة مفاهيم في كثير من تعريفاتها من منظور شخصي يقترح النظر إلى القيادة بوصفها اتحاداً لخصائص أو سمات خاصة يمتلكها الأفراد، وتمكنهم من دفع الآخرين لإنجاز مهماتهم.كما قدمت القيادة في مجموعة أخرى من التعريفات بوصفها فعلاً أو سلوكاً يقوم به القائد لإحداث التغيير المنشود في المجموعة التي يقودها، وقدم باحثون آخرون تعريفاً للقيادة من منظور مهاري يؤكد أهمية مقدرات القائد من معارف ومهارات تجعل القيادة الفعالة ممكنة. علاقة القوة بين القائد والأتباع: وعرفت القيادة من منظور علاقة القوة بين القائد والأتباع، فالقادة يمتلكون القوة ويستخدمونها في الـتأثير في تابعيهم لإحداث التغيير المرغوب فيهم. ونظر باحثون آخرون إلى القيادة بوصفها وسيلة لتحقيق الأهداف من خلال مساعدة أعضاء المجموعة على تحقيق أهدافهم وتلبية احتياجاتهم، وأخيراً، عرف بعض الباحثين القيادة من خلال التركيز على عمليات الجماعة. ويعد القائد من وجهة النظر هذه مركز التغيير والحيوية في الجماعة والمجسد لإرادتها. وعليه، فإنني لا أرى سبيلاً لتعظيم أفهام المهتمين والراغبين بالانشغال بظاهرة القيادة والتنمية البشرية أفضل من سلوك المنهج العلمي الأكاديمي القائم على الدراسة الأكاديمية والبحث العلمي، بعيداً عن استنساخ آراء الآخرين وتكرارها دون برهان أو دليل بحثي. ولا شك أن خيار دراسة القيادة والتنمية البشرية متاح في كثير من الجامعات حول العالم، ويبقى برنامج الماجستير في القيادة التربوية الذي تقدمه كلية التربية في جامعة قطر وما سيتبعه -غير بعيد– من إطلاق برنامج للدكتوراة في هذا المجال، خياراً مناسباً نشجعه لمقيمي دولة قطر عموماً ومواطنيها بشكل خاص لبناء مزيد من القيادات التربوية الوطنية الساعية لتحقيق أهداف التنمية المرسومة ورؤية قطر 2030.