23 سبتمبر 2025

تسجيل

هل تبقى التجربة الأمريكية ناجحة؟

27 أبريل 2012

انتقلت الولايات المتحدة الأمريكية من لا شيء في سنة 1776 إلى أهم قوة اقتصادية مالية سياسية وعسكرية بعد الحرب العالمية الثانية. ما هي الأسباب وراء هذا النجاح الفريد من نوعه؟ هل العوامل مادية أم إنسانية ولماذا تفاعلت إنتاجيا في البيئة الأمريكية دون غيرها؟ هل هي نتيجة حظوظ أم تقاطع مصالح وعوامل أم أنها نبعت من توافر مؤسسات وقوانين وثقافة متجانسة؟ هل نعيش اليوم في ظروف قاتمة تتميز بالقلق على المستقبل وهل الأمل بالتغيير والإنقاذ عالميا مفقود؟. ما هي العوامل التي صنعت النجاح الأمريكي؟.. هناك 4 ركائز له: أولا: توافر المواد الأولية بأسعار زهيدة نتيجة غنى الأرض واحتوائها على كل عوامل الإنتاج. أسهم التطور التكنولوجي المعتمد في استخراجها بأقل تكلفة ممكنة، كما في تحديث طرق استعمالها في الإنتاج. كان التطور نوعيا بحيث طور استعمال رأس المال في الإنتاج مما أتاح للعمال بالعمل في قطاعات مختلفة بعضها جديد ومتطور صناعيا. ثانيا: كانت فجوة الدخل والثروة منخفضة، أي تواجدت مجموعات سكانية متجانسة في الأوضاع المادية والأذواق استهلكت نفس السلع والخدمات. سمح هذا الواقع بتحقيق "وفورات الحجم" الذي خفض التكلفة المتوسطة عبر زيادة الإنتاج وتكبير المصانع. ثالثا: توافر التعليم للجميع في مدارس وثم جامعات ممتازة في الآداب والعلوم، مما سمح للمجتمع بتطوير واقتباس واستعمال التكنولوجيا والعلوم الجديدة في الإنتاج. رغم أن الولايات المتحدة لم تنجح كثيرا في بناء مدارس رسمية جيدة، إلا أن القطاع الخاص وفر تعليما مدرسيا ممتازا وأن يكن بتكلفة مرتفعة. أما الجامعات فمازالت الأولى عالميا تبعا لكل مؤسسات التقييم، وهذا يعود ليس فقط إلى النجاح الأمريكي الكبير وإنما أيضا لاستقبال أمريكا لأفضل الجامعيين وأصحاب الخبرة من كل أنحاء العالم. رابعا: المناخ القانوني والمؤسساتي الذي سمح بخلق السوق النقدية الفضلى الوحيدة حتى اليوم. عبر دمج الولايات الخمسين تدريجيا في دولة واحدة، وجدت أكبر سوق في العالم مما سمح بإنتاج أفضل السلع بأدنى الأسعار نتيجة المنافسة التي رعتها القوانين المتخصصة والقضاء الفاعل والعادل. من أفضل القوانين التي كانت أمريكا سباقة في وضعها هي قوانين المنافسة ومكافحة الاحتكار واحترام حقوق المستهلك. شكلت الماكينة الصناعية الأمريكية المرتكزة على الإنتاج بالجملة العامل الأساسي للنجاح الاقتصادي. كان ارتفاع الإنتاجية الصناعية المحرك الأساس للنمو في أسواق واسعة اعتمدت النظام الاقتصادي الحر. كان لتخفيض تكلفة النقل عبر سكك الحديد التأثير الكبير على توزيع السلع بأسعار تنافسية في أسواق حرة سمحت بالتجارة دون عوائق. في سنة 2000، شكل الاقتصاد الأمريكي 22% من الاقتصاد العالمي وثم دول أوروبا آل 15 (21%) فالصين (11%). طبعا أمريكا اليوم هي غير أمريكا الأمس حتى غير أمريكا سنة 2000. فالمتوقع لسنة 2040 يعطي الاقتصاد الأمريكي حصة 14% فقط من العالمي، والصين 40% فالهند (12%) وأوروبا الـ 15 (5%). أمريكا 2012 تعاني من أمراض كثيرة رغم أنها تبقى الاقتصاد الأول في العالم. لماذا خف وهج التجربة الأمريكية وهل كان بالإمكان تجنب هذا الانحدار المتواصل منذ الستينات؟ تكمن مشكلة أمريكا في انخفاض الإنتاجية واتساع الفجوة في الثروة والدخل. الفجوة الأمريكية هي الأوسع بين الدول الصناعية، مما أسهم في خلق مشاكل اجتماعية وأخلاقية يعاني منها المجتمع. تهدد الفجوة، إذا اتسعت أكثر، ركائز الديمقراطية الأمريكية الشعبية المرتكزة على إعطاء الفرص لكل إنسان عبر إسماع صوته والمساهمة في تقرير مصير بلاده. إن الاتكال على المال في الانتخابات يحدث سوء عدالة متزايدة في القرار السياسي، بحيث تأتي القوانين الجديدة أكثر فأكثر لمصلحة الأغنياء والمدعومين سياسيا خاصة لمصلحة مجتمع الأعمال. أسهمت هذه الحقائق بالإضافة إلى العوامل التالية في تخفيض نمو الإنتاجية الاقتصادية: أولا: أسعار الطاقة التي ارتفعت بالنقد الحقيقي بسبب الطلب العالمي رغم الاكتشافات التي تتم دوريا في مختلف المناطق الجغرافية. ثانيا: إنتاجية العمالة الأمريكية التي تدنت بسبب أوضاع المدارس الرسمية التي تبقى دون المستوى العالمي كما تشير إليه مؤسسات التقييم الدولية. ثالثا: كانت أمريكا رائدة في اكتشاف السلع والخدمات الجديدة أي في إنتاج الأفكار والاختراعات التي استفاد منها العالم. رابعا: سوء إدارة الاقتصاد عبر الإدارات المتعاقبة حيث بلغ عجز الموازنة الأمريكية لسنة 2011 من الناتج حوالي 13% مقارنة بـ 9% لليابان و11% لبريطانيا و5% لألمانيا. خامسا: بسبب تتابع الأزمات خاصة نتيجة أزمة 2008 المستمرة، يشعر الأمريكيون بالقلق على مستقبلهم ويعتبرون أنفسهم معرضين للمخاطر الاقتصادية والاجتماعية. فمؤسستا الضمان العامتان تعانيان من الأزمات الإدارية والمالية كما أن المجتمع يعاني ليس فقط من السمانة وإنما من استهلاك الممنوعات المضرة بالجسم والعقل.