23 سبتمبر 2025
تسجيلفي ضوء التحرير الاقتصادي في مصر منذ عام 1974 زاد اهتمام الشركات بالإفصاح عن قوائمها المالية، استجابة لحقوق المساهمين، ولطمأنة السوق حول أوضاعها المالية ومراكزها التنافسية، وزاد الأمر انتشارا بوجوب إفصاح الشركات المقيدة بالبورصة عن قوائمها بشكل ربع سنوي، وفرض غرامات مالية على التأخر في النشر عن المواعيد المحددة. واستجابت غالبية الشركات العاملة في قطاعات النشاط المختلفة، خاصة أن بعضها سواء من القطاع العام أو القطاع الخاص قامت ببيع حصص من رأسمالها للقطاع الخاص، حيث ساعدها الإفصاح على بيع تلك الأسهم وكذلك خلال قيامها بزيادة رؤوس أموالها. إلا أن قطاع النشر الصحفي ورغم وجود نص قانوني يلزم كل أنواع الصحف بالنشر السنوي لقوائمها المالية، لم يلتزم أي من شركاته بالنشر للقوائم المالية، سواء من المؤسسات الصحفية القومية المملوكة ملكية كاملة للحكومة، أو حتى الصحف الخاصة التي تتخذ شكل شركات مساهمة. وهكذا لا توجد أي ملامح لذلك القطاع سوى أرقام أعداد الصحف الصادرة ودورية صدورها والجهات التي تصدر عنها، أما بياناتها المالية فغير موجودة بالمرة، ورغم أن تلك المؤسسات الصحفية ملزمة قانونا بإتاحة بياناتها المالية إلى الجهاز المركزي للمحاسبات سنويا، وهو الجهاز المعني بالتدقيق في بياناتها المالية ومدى التزامها بمعايير المحاسبة، ومدى قانونية تصرفاتها المالية، إلا أن هذا الجهاز لا ينشر شيئا عن تلك القوائم المالية. ورغم إلزام القانون تلك المؤسسات الصحفية القومية بإرسال تقارير مجالس إدارتها إلى المجلس الأعلى للصحافة، فإن هذا المجلس أيضا لا يصدر أي بيانات مالية عن تلك المؤسسات، وهو الأمر نفسه بالنسبة لمجلس الشورى الذي ينوب عن المالك وهو الشعب في الإشراف على تلك المؤسسات القومية. وهكذا تصبح الصورة هلامية بشأن حجم أصول تلك المؤسسات، رغم ما تمتلكه من مقار وأراض وآلات طباعة ضخمة بالإضافة إلى الشركات الاستثمارية التي تتبع بعضها، كذلك غير معروف إيراداتها أو مصروفاتها أو أرباحها أو خسائرها، وحتى حين يتم معرفة أن بعضها يحقق ربحا، فإنه غير معروف مصدر ذلك الربح والذي قد يكون من بيع أصول، وليس من النشاط الجاري وهو نشاط النشر الصحفي. ومؤخرا اضطر الجهاز المركزي للمحاسبات لإصدار بيان عن الموقف المالي لتلك المؤسسات الصحفية الثمانية المملوكة للدولة، عندما تم اتهامه بالتقاعس في الرقابة عليها، وهي مؤسسات: الأهرام وأخبار اليوم ودار التحرير ودار الهلال وروزا اليوسف ودار المعارف ووكالة أنباء الشرق الأوسط والشركة القومية للتوزيع، وذلك بعد دمج مؤسسة دار التعاون ودار الشعب في مؤسسات صحفية أخرى. وذكر جهاز المحاسبات في بياناته التي تخص الموقف في نهاية يونيو 2009 أي قبل ثلاث سنوات، أن هناك مؤسستين فقط هما الرابحتان وهما الأهرام بنحو 90 مليون جنيه وأخبار اليوم بنحو 38.5 مليون جنيه قبل الضرائب، بينما باقى المؤسسات قد حققت خسارة، وأن مجموع خسائر تلك المؤسسات حتى ذلك الحين بلغت 2 مليار و360 مليون جنيه مصري. وأرجع الجهاز تلك الخسائر إلى الخلل في الهياكل المالية والتمويلية وعدم توافر السيولة النقدية والاضطرار للاقتراض من البنوك بنحو 1 مليار و375 مليون جنيه، تصل فوائدها السنوية 321 مليون جنيه، الأمر الذي يدفع تلك المؤسسات إلى السحب على المكشوف وعدم استطاعتها سداد ما عليها من التزامات للغير وأبرزها الجهات الحكومية خاصة الضرائب. وإذا كانت خسائر تلك المؤسسات قد تجاوزت الملياري جنيه منذ ثلاث سنوات، فإنه من المتوقع أن تكون الصورة حاليا أكثر قتامة، في ظل تراجع الإعلانات والتوزيع في إطار الكساد الاقتصادي الذي تلا أحداث الثورة المصرية، إلى جانب البطالة وضعف القدرات الشرائية وضعف الثقة في بعض تلك الصحف من جانب الجمهور. وفي أعقاب الثورة بدأ فتح ملف المؤسسات القومية بشدة، خاصة فيما يخص ملكيتها خشية تدخل مجلس الشورى بأغلبيته من التيار الإسلامي في اختيار القيادات الصحفية، مثلما كان يفعل الحزب الوطني قبل الثورة، وبدأت لجان مجلس الشورى والمجلس الأعلى للصحافة ونقابة الصحافيين حوارا حول مستقبل تلك المؤسسات، إلا أن الجميع يفتقدون إلى الصورة الحقيقية للواقع المالي لتلك المؤسسات حاليا.