14 سبتمبر 2025

تسجيل

الإرث الفكري للشاعر محمد عاكف أرصوي

27 مارس 2024

بصفته مفكرًا وشاعرًا كبيرًا، أنشأ محمد عاكف أرصوي مجلة أسبوعية دولية كبرى تسمى «الصراط المستقيم» مع صديقه أشرف أديب في 1908 وكان المحتوى يتماشى مع السياسات الإسلامية في عهد السلطان عبدالحميد الثاني. كان شعار المجلة «صحيفة أسبوعية تتناول الدين والفلسفة والأدب والقانون والعلوم». وفيما بعد، تمت إضافة عبارة «تتناول السياسة وبخاصة الشؤون السياسية والاجتماعية والمدنية في العالم الإسلامي» ضمت هذه الجماعة القوية من الكتاب والمفكرين أيضًا الفيلسوف والسياسي المصري عبدالرحمن عزام، الملقب بـ «شيخ العرب». أجبرت حكومة الاتحاد والتقدم على تغيير اسم المجلة من «الصراط المستقيم» إلى «سبيل الرشاد». وتمكنت المجلة من الوصول إلى جمهور واسع، حيث انتشرت الاشتراكات في جميع أنحاء العالم الإسلامي من الهند إلى العالم العربي، نظرًا للفهم الواسع للغة العثمانية بين العلماء والمفكرين المسلمين في ذلك الوقت. وكمنبر للحوار الفكري، نجحت المجلة في توجيه أجندة العالم الإسلامي. وكان العلماء والشخصيات البارزة الزائرة إلى اسطنبول يترددون على مقر المجلة. وخلال تلك الفترة، كان العديد من الحجاج من البلقان والقوقاز وحتى آسيا الوسطى يزورون اسطنبول قبل الذهاب لأداء الحج أو العمرة، إما عبر البحر أو عبر سكة حديد الحجاز. خلال حرب الاستقلال ضد اليونان والمستعمرين الآخرين في الأناضول، تم طبع بعض العدد من مجلة «سبيل الرشاد» في مدن قسطموني وأنقرة. ومع ذلك، تم إغلاق المجلة بقوة يد الحكومة الكمالية القمعية في عام 1925. بالإضافة إلى مجموعته المشهورة من القصائد المعنونة «صفحات»، قام بترجمة عدة كتب، بما في ذلك كتاب سعيد حلمي باشا المعنون «الأسلمة» من الفرنسية إلى التركية العثمانية. يُعتبر هذا التعاون دليلاً على الصداقة الوثيقة بين هاتين الشخصيتين البارزتين. على الرغم من إخلاصه، قرر محمد عاكف وقف مشروع ترجمة القرآن إلى التركية، خوفًا من أن يُستخدم كبديل للقرآن الأصلي حسب سياسة التتريك. ظهر محمد عاكف كشخصية بارزة في الدوائر الفكرية العثمانية بفضل شعره العميق وبلاغته. كان يؤمن بوحدة المسلمين ويعارض القومية العرقية والعنصرية، سواء كانت تركية أو عربية أو ألبانية. لم يكن عاكف يحب التشاؤم أيضا، بل كان دائمًا ملهمًا للنشاط، وفي بعض قصائده كان يعبر عن غضبه تجاه التشاؤم السائد والثقافة الغربية في المجتمعات الإسلامية. في أحد أشعاره قال: «الحضارة الغربية كائن غريب، فقد كذبت وأوهمت ضمير العصر الحديث. إننا بحاجة إلى الوحدة كداعم ودافع» كان يعتقد بشغف أن الإسلام دين يوحد مختلف الأعراق والشعوب، وحذر من أن القومية ستدمر جذوره، وأن من ينسى ذلك سيعاني إلى الأبد. كانت أفكاره مشابهة إلى حد كبير لأفكار مصطفى كامل المصري، حيث كان يدافع عن الوحدة تحت الخلافة العثمانية. كانت نداءاته واضحة وملهمة: «استيقظوا! بدون وحدة، سنفقد كل شيء، بما في ذلك العروبة والقومية التركية. إننا، نحن المسلمين، أصبحنا متجاهلين لحقيقة أن القومية ليس لها مكان في الإسلام» فهو يعترف بالفروق العرقية والجغرافية ولكنه يرفض المبالغة في هذه الجوانب، يحث المسلمين على التمسك بالهوية الإسلامية وتحقيق الوحدة. قضى محمد عاكف الكثير من جهده في صياغة مفهوم الجيل المثالي الذي أطلق عليه اسم «جيل عاصم». يمثل هذا الجيل الشباب المسلم بشكل عام، واستلهم محمد عاكف هذه الفكرة من الشهيد عاصم بن ثابت الذي شارك في غزوة أحد. يحدد عاكف صفات هذا الجيل العاصم بشكل واضح، حيث يركز أولاً على الصحة البدنية، ثم على الشخصية القوية والنجاح والإنتاجية والمسؤولية. كان عاكف نفسه رجلاً رياضياً، ويشجع الشباب على الحفاظ على صحة جسدهم، مع التأكيد على البنية القوية، والصدر المرتفع، والعضلات المشدودة، والعظام القوية، والكتفين والأذرع العريضة، والطول المناسب مع رأس متناسب ومرفقين ويدين قويتين. روحانيًا، يتمتع جيل العاصم بإيمان قوي ومعرفة جيدة، وأفكار ديناميكية مختلطة بالحكمة، ومشاعر عميقة، والتزام بالعدل، ولا يخشى الموت لأنه يتمتع بروح العطاء، وهو ماهر ورحيم ولطيف. يقوي إيمانه الشباب ضد جميع أنواع الصعوبات والمشكلات، إذ يتغذى على الأخلاق والمعرفة المفيدة. «للتقدم، يجب على الأمة أن تجمع بين المعرفة والأخلاق معًا» هو من مدرسة الفكر التي ترغب في دمج الإنجازات العلمية المعاصرة مع الأخلاق الإسلامية، بدلاً من العودة إلى الماضي الذهبي. عاكف كان يتخيل شبابًا متفائلًا ونشطًا وطنيًّا: «لو أظهروا لنا شعاعًا واحدًا، لمزقنا الظلام. لم يستطع الشباب الازدهار خلال القرون القليلة الماضية بسبب فقد إيمانهم بالمستقبل» يحث الشباب على العمل والنشاط والإنتاجية بدلاً من الجدل الدائم: «اعمل ألف مرة من أجل قضيتك، حتى لو فزت مرة واحدة فقط في حياتك». وينصحهم بالاعتدال ويحذرهم من التطرف. وبالتالي، تظل رؤية عاكف الطموحة والبناءة للشباب المسلم مصدر إلهام للعديد من الناس في تركيا.