19 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حظيت الكلمة التي ألقاها زعيم حركة النهضة التونسية الشيخ راشد الغنوشي في منتدى الجزيرة بالدوحة بتصفيق الحاضرين وإعجابهم. فهو عرض كيف استطاعت تونس تجاوز حمام الدم الذي كادت تقع فيه بعد نجاح ثورتها. ما استحق التقدير هو تنازل حزب النهضة عن الحكم الذي وصل إليه بثقة الشعب التونسي واكتفى بالحضور في المؤسسات التشريعية.لا يجب التقليل أبدًا من أهمية هذه الخطوة، خاصة أنها جاءت بعد اكتساح كبير حققه حزب النهضة في الانتخابات، وما صاحب ذلك من نشوة بالنصر والتمكين بعد عقود من نظام فاسد ظالم حكم البلاد لعقود. لكن الثمن الذي دفعه حزب النهضة كان مقابل تجنيب البلاد والعباد صراعًا دمويًا مشابهًا لما شهدته مصر من قتل واعتقال وتعذيب طال الآلاف. حين يتم الحديث عن ثورات الربيع العربي، يقفز إلى الأذهان خلاصة أن النموذج التونسي هو الأكثر نجاحًا وربما الناجح الوحيد بين الدول التي وصلتها رياح الثورة. في حين أن التأمل بهذا النموذج يشير إلى أن ما حصل هو ردة سلمية على الثورة. فتم تحريف إرادة التونسيين التي منحت أصواتها لأحزاب وقوى جديدة، لأنها أرادت التخلص من أحزاب وقوى فاسدة ظالمة. لكن مرة جديدة تعود المعادلة الصعبة نفسها التي على أبناء الثورة (وأبرزهم الإسلاميون) أن يتحملوا نتيجتها: إما التمسك بالثورة والحرية والعدالة الاجتماعية بكل مبادئها ورجالها، وإما القبول بثورة عرجاء تعيد إحياء جوانب من الأنظمة الفاسدة، وتعيد إلى الضوء رجال هذه الأنظمة ويتم تسليمهم زمام الحكم، فقط لأن الإسلاميين قرروا تجنيب بلادهم مواجهات وصراعات ومعارك لا نهاية لها.المعادلة ليست قائمة فقط على حظر وصول الإسلاميين إلى الحكم وحسب، بل أيضًا على عدم مشاركتهم في الحكم ولو استحقوا ذلك. وأبقى في التجربة التونسية نفسها، فبعد نجاح الثورة تداعت القوى الحية للتلاقي والتعاون لتشكيل عقدا اجتماعيا جديدا يعيد بناء تونس من جديد. فأجريت انتخابات تشريعية نال أغلبية مقاعدها الإسلاميون، وتم انتخاب شخصية حقوقية مستقلة مشهود لها بالنزاهة على رأس السلطة هو المنصف المرزوقي، وتولى الإسلاميون إدارة الحكومة بمشاركة أحزاب أخرى. لكن يبدو أن مشاركة الإسلاميين في الحكم هي أيضًا ليست مقبولة للبعض، فبذلوا المستحيل لمنع تقديم نموذج إسلامي ناجح في الحكم، خاصة أن نجاح التجربة الأردوغانية في تركيا ما زال يؤرق راحتهم ويواصلون محاولة إجهاضها، فانهالت العصي لاعتراض دواليب الحكم في تونس، وحوصرت الثورة وحشرت في الزاوية بقضايا متشعبة، وبدأ افتعال العقبات، ليقف الإسلاميون أمام المعادلة نفسها، إما التراجع وإما الدم، فكان الخيار بالتراجع حفظًا لتونس وأهلها. معشر الإسلاميين، لن يرضى عنكم القوم حتى تنزعوا فكرة الوصول إلى الحكم من رؤوسكم. والمسار الديمقراطي الذي تؤمنون به هو مسار متاح للعلمانيين واليساريين والليبراليين والقوميين وأبناء الأرض جميعًا، أما أنتم فهذا الخيار إذا أتيح لكم، يكون مقرونًا بحرب ودماء وعذابات ومواجهات، وهذا أمر لا قدرة لكم على تحمل وزره. معشر الإسلاميين، عليكم أن تكونوا هادئين مسالمين مهادنين، إذا صفعكم أحد على خدكم الأيمن، عليكم أن تديروا له الأيسر، وإياكم أن تغضبوا، بل عليكم أن تبقوا مبتسمين، وإلا فأنتم إرهابيون.معشر الإسلاميين، أنتم وحدكم من تتحملون دماء شعوبكم إذا اعتدى عليهم أحد، أنتم المسؤولون عن جرائم جيوشكم وتسلطهم عليكم، أنتم المسؤولون عن بطش أنظمتكم وجرائم القتل والتعذيب والاعتقال الذي تمارسه بحقكم. فلولا سعيكم للوصول إلى الحكم بأصوات شعوبكم، لما شعرت بعض الأنظمة وجيوشها بخطركم، ولما دفعت المليارات لإفشالكم وإجهاض تجربتكم.معشر الإسلاميين، أنتم أمام خيارين، إما أن ترضوا بما قسمه الفاسدون لكم، حقنًا لدماء شعوبكم وعمارة بلادكم، وإما أن تتمسكوا بثقة شعوبكم التي منحوكم إياها، حينها عليكم تحمل وزر ما سيحصل بعدها.