01 نوفمبر 2025

تسجيل

"سانت هيلانة".. العبرة الوطنية صادقة في البحرين

27 مارس 2011

هناك في سانت هيلانة الجزيرة النائية خلف أقاصي المحيط الأطلسي والتي تبعد 2000 كيلو متر عن شواطئ البرازيل كُتبت سطور جميلة وثرية بالمواقف عن تاريخ مملكة البحرين، كان عام 1956م وكانت بداية السطور التي دونها المناضل الوطني عبد العزيز الشملان من منفاه القسري في الجزيرة مع رفاق الوطنية على يد المستشار "تشارلز بلجريف" إبان الاستعمار البريطاني لبعض أجزاء المنطقة، فبلجريف صب جام غضبه على ثورة شباب البحرين العربوية التي أطلقوها تأصيلا لقوميتهم وتمسكا بجذورهم وحقوق أمتهم حيث بداية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين والعدوان الثلاثي على مصر وهو ما يزعج بالطبع صيغة الوجود البريطاني هنا في أجزاء الخليج، الجميل في مدونات الشملان المنشورة في كتاب لـ خالد البسام تحت عنوان "يوميات المنفى" صدر في 2007م أن المؤلف رجح أهمية القراءة لتلك المدونات باعتبارها عبرة وفرصة أكثر منها ذكرى للتأمل في تاريخ البحرين، فالشملان بمكتسبه القومي والتنويري هو ورفاقه من تصدوا للحوادث الطائفية التي اندلعت في البحرين بداية خمسينات القرن الماضي فقد تبنوا التهدئة والحوار للانتقال إلى الدعوة لوحدة الطائفتين بل إلى أكثر من ذلك للعمل المشترك والمناداة إلى إصلاحات متنوعة شملت إنشاء مجلس تشريعي منتخب وإطلاق الحريات وإصلاح التعليم والصحة ووقف تدخل الانجليز خاصة المستشار "بلجريف" في شؤون البلاد فبجهود رجال الطائفتين المكثفة أمثال الشملان ورفاقه كل من عبد الرحمن الباكر وإبراهيم فخرو وعبد علي العليوات وإبراهيم الموسى وغيرهم تم إنشاء أول حزب سياسي علني في البحرين وفي منطقة الخليج العربي آنذاك وتم يومها اعتراف الحكومة المحلية والإنجليز به تحت اسم "هيئة الاتحاد الوطني" وأعود إلى العبرة كما وصفها الكاتب البسام في مقدمة كتابه مشيراً إلى جهود الشملان ورفاقه من الطائفتين التي اتسمت بالوطنية والسلمية التي جابت حواضر وقرى البحرين لتكثيف الرأي العام حول مطالبها، فالعبرة بمعناها ومنظورها السياسي والوطني هي ما يمكن إسقاطها على واقع المشهد البحريني الآن الذي نجا فعلا من مؤامرة دنيئة بمخططات خارجية للنيل من هوية الوطن وإقصاء الأخر بالممارسات الموسومة بمغالطات جمة منها التاريخية والإنسانية وحتى السياسية عملا لإفشال مشروع المستقبل الوطني الواحد للبحرين، وبالطبع ما بين سنوات الخمسينيات ومشهد اليوم حدثت تحولات جسيمة في المنطقة وكل العالم أو كما يقول محمد حسنين هيكل في كتابه زيارات جديدة للتاريخ "جرت مياه كثيرة تحت الجسور" وربما حركت هذه المياه وجرفت الكثير من الأفكار والآراء فاهتزت قناعات وسقطت أخرى فهو التاريخ بحركته التلقائية وهو مكون الفكر الإنساني المتغير أن قسرا أو طوعا تبعا لمؤثرات محيطه فهل كانت ديموغرافية البحرين هي المؤثر الأكبر فيما يحدث لخلخلة النسيج الوطني التاريخي المتلاقي في هدف وطنيته ووحدته كما في الخمسينيات أم أنها يد التطاول الإقليمي المعلن بكثافة من ضفة الخليج الشرقية ورزنامتها الطائفية سبب الشرخ الكبير الذي شكل المشهد البغيض في شوارع المنامة وقراها مؤخرا، إذا هي العبرة التي يجب أن يعود إليها الجميع الآن لاستقراء معنى الوطنية بشموليتها دون التعاطي الغير واعي مع أجندات مستوردة، فرفاق الشملان من الطائفتين الذين تقاسموا خبز السجان الجاف وسنوات المنفى القاصي في سانت هيلانه التي كانت أيضا المنفى القديم لنابليون ورسمت وعيا مفيدا لتاريخ البحرين السياسي يجب أن يستوعبه البحرينيون جميعا الآن لتحقيق معنى الوطنية بتاريخها ومعادلاتها الصعبة من أجل عيش مشترك وسلام وطني يغيب مظاهر الخلاف والانشقاق المتأزم الآن، فليس من سبيل للعيش المشترك سوى باستيعاب التاريخ وقياس التوازنات المحلية والدولية لا مجرد الركون إلى صيغ الخطاب المشحون وبناء التفاعلات على مضمونه فقط دون التعاطي الذكي مع كل المعطيات ومؤثراها قبل أن تتغير المعادلة بمسلمات لا يحبذها الطرف المعارض. [email protected]