18 سبتمبر 2025

تسجيل

قمة سرت واستكمال المصالحات

27 مارس 2010

المشكلة الكبرى التي يجب على العرب أن يتصارحوا حولها بكل شفافية هي الخلافات التي تعصف بالوطن العربي، إلى متى ستستمر؟ ألم يحن الوقت لوقفة جادة ومخلصة يتصافى فيها القادة العرب، ويترفعون عن كل الصغائر العالقة فيما بينهم، وكل الشوائب التي تعكر صفو العلاقات العربية العربية.آن الأوان ان تنظر القيادات العربية إلى مستقبل هذه الأمة.. إلى الأجيال القادمة وما قد تحمله عن القيادات العربية الحاكمة اليوم، إما نظرة إجلال وإكبار وتقدير أو العكس تماما، فكيف تريد هذه القيادات العربية اليوم أن تنظر لها الأجيال القادمة؟.الخطوة الأولى لوقف تراجع دور هذه الأمة، وتراجع دور الدول العربية هى في حل الخلافات العربية العربية، وإصلاح البيت العربي بكل مصداقية وشفافية وصراحة، بعيدا عن "الأنا" التي تضعها كل دولة لنفسها، وهو ما جعل كل دولة ترفض البدء بالخطوة الأولى في مسيرة المصالحات العربية.اليوم لدينا نموذج ناجح قامت به دولة عربية واحدة، هي قطر، في حل الخلافات العربية العربية، سواء على المستوى الداخلي أو بين دولة وأخرى، وهذه التجربة الناجحة حققت ثمارا إيجابية، أبعدت شبح الحرب والدمار عن اقطار عربية، سواء كان ذلك في لبنان، أو سلام دارفور، أو بين السودان وجيرانه، أو دعم جزر القمر عبر مؤتمر للمانحين، أو جهود قطرية أخرى على أكثر من صعيد استطاعت وقف تدهور العلاقات بين أكثر من قطر عربي.هذا النموذج مطلوب من قمة سرت البناء عليه، وثقتنا بالقائد معمر القذافي كبيرة في أن يواصل خطوات القيادة القطرية في دعم المصالحات العربية، ويتم التركيز على إصلاح ذات البين بين الدول العربية، فهذا الأمر هو ما يجب الالتفات إليه، والتركيز عليه قبل كل شيء، ففي غياب ذلك لن تستطيع أي دولة منفردة، ولن يستطيع مجموع الدول العربية لأنه في هذه الحالة ليس أمة الوقوف أمام الغطرسة الاسرائيلية، والعدوان الصهيوني المتواصل على أهلنا في فلسطين، ولن يقف الحال بالنسبة للممارسات الاسرائيلية عند الشعب الفلسطيني فطموحات العدو في الاختراق والاعتداء تتجاوز ذلك، لتطول كل الدول العربية بلا استثناء.لذلك فان الامل في أن تتواصل المصالحات العربية، فكما بدأت قمة الدوحة بمصالحة عربية قام بها سمو الامير المفدى حفظه الله ورعاه، واتبع ذلك خطوات عملية على هذا الصعيد وفي أكثر من اتجاه، فان هذه القمة مطالبة بالعمل والبناء على الجهد القطري المميز، الذي حقق اختراقات في عدد من الملفات المسكوت عنها، والتي ظلت تمثل بؤرا قابلة للتفجر، ونارا تحت الرماد، يمكن في أي لحظة أن تشتعل، فاستطاعت المبادرات الكريمة لسمو الأمير المفدى- حفظه الله ورعاه- أن تنزع فتيل تلك الأزمات، وان تعيد الامور الى نصابها، وتحقق الأمن والاستقرار في تلك الأوطان.هذا الجهد القطري مطلوب تعزيزه ودعمه من قمة سرت ومن القادة العرب، الذين تتطلع الشعوب العربية إلى رؤية عمل جاد على الأرض يخدم قضايا الأمة، وينظر إلى مستقبلها ومستقبل أجيالها.القضية الأخرى التي لا تحتمل التأجيل او التأخير، قضية القدس، التي اختارت قمة سرت أن تكون عنوانا لها "قمة القدس"، هذه القضية لم تعد بحاجة إلى قمم تعقد ثم تنفض بخطب رنانة، إنما بحاجة إلى عمل مخلص ينقذ هذه المدينة المقدسة من براثن الصهاينة ومؤامراتهم الرامية إلى تهويد القدس وهدم الأقصى.القدس رمز كرامة الأمة، وأي أمة تستهين أو تفرط في كرامتها، فباطن الأرض خير لها من ظاهرها، واليوم الصهاينة أحكموا الخناق على الأقصى تمهيدا لهدمه وبناء هيكلهم المزعوم، بعد الانتهاء من بناء كنيسهم المسمى بـ "الخراب".. اليهود ينفذون مخططات على الأرض، وينفذون ما يقولونه، فها هو نتنياهو يضرب عرض الحائط بكل عبارات الشجب والاستنكار والدعوات لوقف الاستيطان في القدس، ويعلن يوميا عن بناء وحدات استيطانية جديدة، بينما العرب منذ عقود يتحدثون وينددون ويستنكرون ويلجأون إلى منظمات دولية لاستصدار قرارات أممية، فما الذي حصل؟ هل تراجعت "إسرائيل" عن مخططاتها، أو أوقفت أعمالها الاستيطانية على الارض؟ لم يحصل ذلك، بل إن ما تسمى بسنوات "السلام" تضاعفت فيها الوحدات الاستيطانية والتهويد للقدس ومساعي هدم الأقصى أضعافا مضاعفة عما كانت قبل ذلك.فاذا استمر العرب على ما هم عليه من خلاف وانشقاق وتفرق وتشتت فان الضياع لن يكون مصير القدس والأقصى فحسب، بل إن أوطانا عربية أخرى مصيرها لن يكون أقل من المدينة المقدسة.ديننا يدعونا لتوحيد الصف ونبذ الفرقة، وعدم التفريط بمقدساتنا، وتأكيد عزة المسلم، وكرامة الأمة، فلماذا التنازل عن ذلك؟.إننا أمام تحديات كبرى تواجه الأمة، التي تمر بمرحلة صعبة جدا، وبمفترق طرق، والشعوب تعلق آمالا كبيرة على قمم القادة في أن يبدأوا مرحلة جديدة في مسيرة أمتنا، التي لديها كل مقومات السيادة والريادة والقوة، وينقصها فقط توظيف هذه الامكانات، وتوحيد الجهود، واستنهاض الطاقات والهمم من أجل إعادة بعث هذه الأمة من جديد.تنعقد القمة العربية اليوم في مدينة سرت بضيافة الأشقاء في ليبيا، وسط تحديات ربما ليست بالجديدة، وإن كانت هناك أمور قد استجدت على المشهد العربي، وازداد بها سوءا، خاصة فيما يتعلق بالملف الفلسطيني، وقضية تهويد القدس، ومساعي هدم المسجد الأقصى، الذي تخطو الدولة العبرية خطوات جادة في هذا الاتجاه، وسط خلافات وانشقاقات عربية، أدت إلى امعان وغطرسة "صهيونية" في التعامل مع العرب، وعدم الالتفات إلى كل ما يقوله العرب، وعدم إعطائهم أي وزن.هذا هو الواقع العربي في التعامل مع الدولة "العبرية".. 22 دولة عربية لا تستطيع أن تجبر هذا الكيان على التراجع عن أي خطوة، بينما دولة واحدة وهي تركيا جعلت "إسرائيل" تركع أمامها، وتعتذر لأول مرة في تاريخها لتركيا في موعد حددته الأخيرة، ورضخت "إسرائيل" صاغرة للشرط التركي.. ألم يسأل القادة العرب لماذا وكيف حدث ذلك؟