01 أكتوبر 2025
تسجيلعلى مر التاريخ كان الفكر السائد هو المحرك الحقيقي للتنمية، فلا تنمية دون وجود فكر له طابع معين وله مواصفات معينة في إطار فلسفي جامع، فالعناصر المشكلة للفكر يمكن تحديدها ووضع إطار لما يجب أن تكون عليه منظومة مفاهيم المجتمع، لتكون غاية يعمل الجميع للوصول لها من خلال ترجمتها لسلوكيات للجميع وإن ظلت صعبة المنال، وذلك أمر جلل، فنحن نقول إن هناك سلوكا يوافق العصر وهو سلوك داعم للتنمية، فمثلا وضع التعليم على قائمة الأولويات شيء أصبح بديهي فعليه تبنى الدول والمؤسسات وتصنع منه المشاريع وتصبغ به الرؤى، فالديمقراطية في المنزل والعمل والمؤسسات والأجهزة الحكومية سلوك أصبح مباركا من قبل جميع الأطراف في المجتمع، مثل هذا السلوك وإدخاله في التعليم بين الطالب والمعلم، وتطبيقه في القطاع الخاص والعام أمر أصبح متفقا عليه، فبوجود مجال للتحاور والتناقش للوصول لأفضل الحلول وتشخيص الظروف وإيجاد الحلول لها من خلال تداول الأفكار يمكن الوصول للحلول الأكفأ، وتشجيع الرأي الآخر في العمل يخلق شركاء في الإدارة بدل متفرجين، والخيار للقيادة في مؤسسات الدولة أو القطاع الخاص، والقبول بدرجات أكبر من المخاطرة في العمل يسمح للعاملين بالإقدام على تجربة حلول مبتكرة وجريئة تمكن من خلق منظومة حلول غير تقليدية تمكن المؤسسات من التعامل مع كل ما يستجد من متغيرات وتطورات ومع أي أزمات تطرأ على النظام الاقتصادي أو المالي أو الاجتماعي، وأي تحولات جذرية غير متوقعة يمكن أن تؤدي بالمؤسسة إلى الهلاك أو المجتمع إلى الركود كما حدث للأمة في العقود الماضية، والقدرة على التعامل مع المتغيرات والتحولات في الاقتصاد العالمي وعالم الأعمال الذي أصبحنا جزءا منه، هذه الحزمة من المفاهيم تدعم منظومة سلوكيات أصبحت ضرورية لهذا العصر، فالحياة لا تقف عند منعطف ولا تستمر في منحدر ولا تقف عند محطة، ومن يعتقد ذلك فهو واهم، فالتاريخ مليء بمن اتكأ على منجزاته أو اطمأن لتحقيق بعض النجاحات، إنه أسلوب الحياة الذي نختاره سيحدد مدى استمرارية الإنجازات والنجاحات التي سنحققها، ولهذا نحتاج أن نعتمد هندسة الأفكار في صيغة مفاهيم داعمة للتنمية المستدامة، فكما نهندس البنية التحتية والمهمة فنحن مطالبون بهندسة ما هو أهم وأبقى وأن نضع نفس الأهمية ونصرف الجهد ذاته في هندسة المفاهيم، فكما أنه من السهل أن نهندس برج وننقل تقنياته ونرى مدى مصاعبه، فالأهم والأجدى والأصعب هو نوعية الأفكار التي بنته، فمن يقف اليوم في سوق واقف ويرى أبراج الدفنة فمن السهل إنشاء أساساتها وإكمال بنيتها، ولكن هي نشأت من أفكار أسست لها وهي الأهم، ولا نعني هنا الغربة أو التغرب، بل نقل المعرفة والأهم هو وسائل نقل المعرفة وهي الأساليب خاصة الفكرية منها، أي العادات والتقاليد المتعلقة باحترام الإنسان واحترام حقوقه وخصوصيته واحترام الأفكار على اختلافها وطرق التعامل مع المعرفة وكيفية جمعها وتمحيصها والأخذ بما هو مجدٍ، وطرق التعامل معها، كل هذه عادات وتقاليد وسلوكيات ولكن هي المتعلقة بحقوق الإنسان والطفل وأسلوب التعامل مع البعض، وكل هذا يصب في مشاريع التنمية، فالأساس في الاقتصاد والأعمال هو طريقة تعامل الإنسان مع معطيات الحياة، وكيفية التعامل معها فمن يقول واجهته مشكلة يرى الآخر أنها فرصة لمعالجة الوضع وإيجاد حلول جديدة تبني عليها المؤسسة لتطور من آليات عملها، إن كل أزمة أو مأزق هو فرصة لتطوير العمل ودفع محيط التفكير ليشمل حيزا جديدا وفضاء إبداع للمؤسسة، ولا يمكن أن نصل له لو لم نواجه مثل تلك المشكلات، ومن ينظر حوله يرى أن معظم المنتجات هي حلول لمشكلات إما قائمة أو مستجدة، ومن واجه مشكلة ورأى أنها فرصة فإنه استطاع أن يجتاز المعتاد من التفكير، ودخل فضاء مكنه من رؤية المستقبل وصياغته ونقل العالم معه لموضع جديد متقدم، وهذا أسلوب تفكير يؤسس له في منظومة التعليم والتدريب وهامش اجتماعي من الحرية الفكرية والسلوكية تملك الجرأة ولا تهاب المجهول، بل تقتحمه وتشكله في قالب يمهد للمجتمع والأمة لكي تكمل مسيرتها وترتقي بإمكاناته وتشارك بالعطاء في نهضة الإنسانية.