22 سبتمبر 2025
تسجيلتكلمت في المقال السابق عن أن الله تعالى يمهل ولا يهمل وذكرت كيف يرقد الآن مبارك وأعوانه أذلة في محابسهم بعدما كانوا يظلمون الناس ويحبسون الدعاة ومن خالفهم من المعارضين والشرفاء ويتوهمون ألا حساب.ومن ذلك قلنا ان هناك مساجين آخرين.. مساجين وهم الفكر.. ولئن كان الجسد يسجن ويتأذى فإن العقل عندما يسجنه صاحبه وراء فكرة ظالمة فهو أجنى عليه من سجن الظالمين لجسده.قلنا هذا عن مساجين الفكر العلماني الذين يريدون قصرنا معهم في فكرهم وتصوراتهم بأن ديننا لابد أن يكون كالمسيحية المحرفة التي أقصت العقل وادعت أن الحكم الكنسي وتصورات رجالها هو حكم الدين الذي لايحاد عنه وأن الحاكم الذي ترشحه الكنيسة هو ظل الله الذي لا يجوز محاسبته.ومهما قلت لهم هذا لم ولن يكون في دين الإسلام لم يعيروك التفاتا ولم يفهموا ما تقول لأنهم سجنوا عقولهم خلف الفكرةقل مثلهم فيمن تأثروا بالفكر الشيوعي سواء في المادية الجدلية أو التصور المادي والاقتصادي للتاريخ وهم أسارى هذه الأوهام ولا يريدون الخروج منها وقد أنفق بعضهم عمره كله وزهرة شبابه في أمر بدا لهم من بعد أنه كان وهدة فكرية بشرية رأت التاريخ وحركة المجتمع من منظور واحد ومع ذلك شق عليهم التحلي بشجاعة التراجع فحبسوا أنفسهم أسارى لحظتهم الفائتة.وبنفس المنطق يرى بعض اليساريين وحركاتهم المتفاعلة مع مجتمعنا أن التصورات الفكرية القائمة على الصدام الثوري الدموي حتمية أساسية لفرض التغيير لذا فبعض الشباب الثوريين الآن لا يريدون أن يحرموا أنفسهم من لذة المواجهة حتى لو تحقق التغيير بالطرق السلمية التي هي درة ثورتنا ومناط عظمتها وبلاغة حراكها.لكن التاريخ وحركة الجماهير تثبت دائما أن التغيير قد يأتي بطرق أخرى وعلى يد أشخاص آخرين.. وثوراتنا العربية أحد أدلة هذا.لم يسألوا أنفسهم يوما عن مخالفة الشيوعيين لعقائدهم وتفضيلهم الانتماء القومي والمصلحة الوطنية على الامتثال لتصورات الشيوعية في مواجهة حرب الرأسمالية: فقبلوا بالتعدد الشيوعي بين الصين والاتحاد السوفييتي وقبلوا باقتصاد السوق في التعامل المالي وقبلوا بترك الحرب خوفا من التفوق التكنولوجي لغيرهم نفس منطق ماركس الذي توقع التغيير من خلال ثورات صادمة — أو قل فوضى خلاقة بتعبير الرأسماليين — يتم فيها إسالة الدماء أنهارا.سجنونا — وحق الله — معهم.. وأرغمونا قهرا وقسرا على الرضوخ لتصوراتهم وحكمونا بغير شرع الله تعالى سنوات وسنوات وأذاقونا ذل البعد عن دين الله تعالى وهيجونا على التصالح مع أنفسنا بالرضا بالله ربنا مشرعا وحاكما وبإسلامنا دينا ومنهجا.فدخلنا معهم في التيه مرغمين.. لأنهم السادة والنخبة ونحن — زعموا — العامة والغوغاء والدهماء.. أضلونا سنوات ليس مذ عهد مبارك وحده لكن من عهد محمد علي أبرز العلمانيين المعاصرين ومن بعده.. ونحن من وقتها نتقلب معهم في التيه والتبعية والفقر والعوز لأن الالتزام بالدين جهل وتخلف وما ارتضوه هم — أقصد أسيادهم — هو الحق المبينحتى الفنانون أسارى أفكار توجوها في تصوراتهم مفادها أن الفن يجب أن يعمل بمعزل الالتزام بالشرع مع أنهم لو تأملوا لوجدوا مساحات من الفن المباح يمكنهم أن يثوبوا إليها.أما أوهام المتدينين فأبرزها الغلو في الأشخاص أحياء أو أمواتا وما الصوفية الغالية وموالدها ونذورها ودعاء المقبورين من ذلك ببعيد.لن تكون لنا كيانات حقيقية ومستقلة إلا عندما تخرج النخب الفكرية من سجون الأوهام وتعود لفكرنا الأصيل.