01 نوفمبر 2025
تسجيل“عندما تحركت الطائرة نظرت إلى العقيد من النافذة. وكان يقف ببذلته البيضاء شامخاً معتداً بنفسه وبثورته وبنظريته. شعرت بشيء يشبه الشفقة. ربما لأنني أحسست أنه كان بإمكان العقيد أن يكون رجلاً عظيماً!” كانت السطور أعلاها ختام الفصل السابع من كتاب الوزيرُ المرُافق للدكتور غازي القصيبي والذي دون فيه انطباعه الشخصي عن بعض القادة والسياسيين الذين التقاهم إبان فترة عمله الطويلة وزيرا في الحكومة السعودية ومنهم الرئيس الليبي العقيد معمر القذافي أو قائد ثورة الفاتح كما يسمي نفسه والذي تواجه ثورته الآن بعد 42 عاما من انطلاقتها تحديات محلية وعالمية كبيرة تمس كيان الجماهيرية ولجانها الشعبية. فقد انتكس جمهور الثورة على قائده ولجانه وخرجوا إلى الشارع عزلا بأرواحهم وأجسدهم منتفضين ضد سنوات طويلة من القهر والانغلاق الغريب مطالبين بثمن الصبر والإطاحة بالقائد المخضرم الذي تنبأ له القصيبي أن يكون عظيما. ولكن كيف سيكون القذافي عظيما فعلا دون شعارات أو مسميات كما جماهيريته العظمى التي استجلبت الرعاع لرفد استمراريتها المهددة؟! هذا هو السؤال. فلو سخر العقيد ذكائه لخدمة وطنه وقوميته ولو سخر طاقات بلاده ومداخيلها النفطية الهائلة لرخاء أكثر لشعبه القليل العدد نسبيا بحجم ومساحة ليبيا لربما كان عظيما. ولكن العقيد كما أوقف رتبته العسكرية بعد الانقلاب على الملكية العام 1969م أوقف معها الكثير من مجريات الحياة واستحقاقات شعب عمر المختار وتطلعاته بعد سلسة التضحيات الجهادية التاريخية فظل خطابه الحماسي المتلون سيد المشهد مع الكثير من سلوكيات القيادة الغير مهضومة محليا ودوليا والتي أفرزت جملة اتهامات لضلوع النظام الليبي القذافي في جرائم دولية كبرى والتي لم يكن آخرها حملات الإبادة العلنية والهمجية للمعارضين لنظامه في شوارع المدن الليبية الآن والتي يشاهدها العالم أجمع بذهول على شاشات التلفزة.فيورد القيادي في المعارضة الليبية فايز جبريل لوسائل الإعلام تأكيد الأنباء التي ترددت عن تدبير ليبيا محاولة اغتيال الملك السعودي عبدالله عندما كان وليا للعهد ويقول جبريل إن مخابرات بلاده تفرغت على مدى السنوات الماضية إلى تأمين حكم العقيد القذافي وقمع الرأي الآخر سواء كان مواطنا بسيطا أو حتى رئيس دولة. وأضاف أن “المخابرات الليبية تفرغت لأعمال بعيدة عن الوطنية ويكفي للدلالة على ذلك اعترافه بعد سنوات بالمسؤولية عن تفجير طائرة لوكيربي وطائرة إل”يو تي أي” الفرنسية وموضوع مقتل الشرطية البريطانية أرى لينشار”. فالنظام الليبي خصص ملايين الدولارات لدعم كافة المنظمات المتطرفة منها منظمة الألوية الحمراء في إيطاليا وكذا المنظمات اليونانية المتطرفة إلى جانب دعم تنظيم عبدالله أوجلان الكردي.وتطرق جبريل إلى التصفيات الداخلية التي تمت في داخل ليبيا منها قتل 1200 سجين سياسي في عام 1996 م إلى جانب مسؤولية النظام الليبي عن اختطاف ناشط حقوق الإنسان الليبي منصور الكخيا، وبلغ عدد من صفاهم النظام الليبي في الخارج 32 شخصية معارضة من بينهم مصطفى خالد ومحمد نافع رمضان إلى جانب مطاردته للآخرين، ورشوة عدد من قيادات الأحزاب السياسية العربية والإفريقية لمبايعة القذافي ملكا للملوك. والملف الأسود للممارسات الليبية متضخم بكثير من محاولات الاغتيال والتصفية لشخصيات معارضة ليبية إضافة إلى شخصيات عربية وإسلامية وتفجيرات في بلدان مختلفة بالعالم. ومن أشهر محاولات الاغتيال التي أحبطت على يد سلطات الأمن المصرية في عام 1977 بالإسكندرية التي استهدفت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق عبدالحميد البكوشي،واختفاء. ومن الشخصيات التي اختفت في ليبيا وأصابع الاتهام تشير إلى نظام القذافي حولها. اختفاء الإمام موسى الصدر عام 1978 م ورفاقه خلال زيارة رسمية إلى ليبيا كان من المفترض أن يلتقوا خلالها بالعقيد القذافي. وكانت العلاقات المصرية - الليبية شهدت توتراً كبيراً إبان حكم الرئيس المصري الراحل أنور السادات أسوة بكل مواسم المزاجية التي تحكم علاقات نظام القذافي مع الدول. وتمكنت سلطات الأمن المصرية وقتها من القبض على عملاء ليبيين كانوا يعتزمون تفجير أهداف مصرية. ومحاولة الاعتداء على وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بالقاهرة أثناء اجتماعات وزراء الخارجية العرب . ولم تقتصر ممارسات النظام الليبي فقط على الاغتيال ومحاولاته بل امتدت إلى طرد العمالة الوافدة من الدول العربية كلما شهدت العلاقات مع تلك الدول توتراً دون إبداء أي أسباب مثلما تم طرد 600 فلسطيني بزعم أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات أبرم معاهدة سلام مع الإسرائيليين “ففلسطين أولى بأبنائها”!ومن المواقف الغريبة التي قام بها العقيد القذافي في قمم عربية مختلفة عديدة مقاطعته لكلمة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى في قمة تونس والخروج لعقد مؤتمر صحفي يعلن فيه انسحابه من الجامعة . ولعل الخطابات الأخيرة والغريبة للقائد المخضرم للتصدي لمحاولات الشعب الليبي الخلاص من سنوات حكمه وقهره. فقد استخدم أسلوبا عجيبا ومفردات دونية تعلل للمتابع كيف صبر شعب ليبيا طويلا على الضيم والقهر والاستبداد وكيف فضح العقيد حقيقة عظمته الجوفاء والمسلحة بالإجرام والبذاءة وسوء الفكر والتدبير وانتهاك الصريح لحقوق الإنسان والقوانين الدولية. فقلوب العالم اجمع مع شعب ليبيا المستهدف الآن بأسلحة وحيل نظامه أملا في الخلاص حتى لو تخاذلت القوى العالمية من نصرة الموقف الإنساني المتأزم هناك لحسابات سياسية واقتصادية حسبما يلمس في خطابات التنديد العالمية إلا أن التاريخ سيكتب النهاية المحتملة لقصة العظمة الثورية الجوفاء[email protected]