11 سبتمبر 2025
تسجيلعجيبة أقوالهم فلها معنى، نفيسة إرشاداتهم فهي نافعة، ما قيلت عبثاً ولا استعراضاً ولا ابتغاء لشهرة، فإذا كانت هذه روائع كلمات ومواقف مجانين ذاك العصر، فما بال عصرنا يعجُّ بمجانين وقد منحهم الله تعالى العقل، ويقولون عن أنفسهم أنهم عقلاء- ولا نعمم-، ولكن أقوالهم ومواقفهم خناجر مسمومة في خاصرة الأمة والإنسانية، وهذا واقع حاضر بيننا. فالعقل نعمة - وأي نعمة -، والعقل يزيد الإنسان وعياً وتهذيباً وبصيرة كلما ازدادت معارفه وعلومه وتقدمه في هذه الحياة، وليس إفساداً في الأرض واستطالة على أخيه الإنسان بتشريده وقتله وإخراجه من أرضه وتركه في العراء شتاءً وصيفاً، وهتكاً لعرضه وأخذ ماله والتعدي على ممتلكاته، أو عنصرية أو سلباً لحريته التي منحها الله تعالى، وإحداثه فوضى في مساحات الحياة من تخريب ودمار ونشر للإباحية والإلحاد، فيأتي مدعي العقل والفكر والإنسانية والحضارة فيقول أنا عاقل، ما أنت بعاقلٍ! ورحم الله أحمد شوقي إذ يقول: إذا رأيتَ الهوى في أُمةٍ حَكَماً فَحكُمْ هُنالِكَ أنَّ العقلَ قَدَ ذَهَبا فهذه بعض من روائع كلمات وتوجيهات ومواقف عقلاء المجانين في ذاك الزمان، للوقوف عندها وتأملها وفقه وإدراك معانيها، ولنتعلّم منها، فالله درُّ مجانين ذاك الزمان:- * خرج أناس من ولد عيسى بن موسى الهاشمي بالكوفة، فلقيهم بهلول المجنون، وكان كلامه حكمة فقالوا: عظنا يا بهلول. قال: بم أعظكم؟ هذه قصوركم وهذه قبوركم. * قال له أبو عبدالرحمن الأشهلي ذات يوم: كيف أصبحت يا أبا الحسن؟ (عليّان المجنون) قال: بخير. قلت: من العاقل؟ قال: من حاسب نفسه وخاف ربّه. * ولهان - كان ذاهب العقل- وكان يقول " يا أيها الناس تزودوا ليوم الدين، يوم تنشر فيه الدواوين وتنصب فيه الموازين وينتصف المظلومون من الظالمين، اعملوا وفي الأيام تراخٍ وفي النفس مهلة قبل أن تؤخذوا على غرة...". * يقول داود الطائي: بينا أنا قاعدٌ إذ وقف عليَّ مجنون فقال: يا داود، من زَهدَ في الدنيا مَلَكها ومن رغب فيها عَبَدها. * عن ضمرة بن ربيعة قال: وقف عليَّ معتوه فخَنَقني وقال: تعلَّمْ. قلت: خلِّصْ عن حلقي. فخلّى يده ثم قال: الشر نذالة، والعفو كرم، والاستقصاء غمّ، وشفاء الغيظ بليّة. * حُكي عن ذي النون المصري أنه قال: رأيت شيخاً مجنوناً بدمشق مِصْفَاراً بيده ركوة (إناء يشرب فيه) وعكازة، وقد كتب على جبّته من ورائه: حتى متى يا شيخ ما تستحي يــــراك مــــولاك مــــع الـــغــافـلــين مـا تـستـحي مـنـه ومـا تــرعــوي غــطّى خــطاياك عــن الــعــالمين مَــشّــاكَ بين الــناس في ســتره وأنت معكوفٌ مع الفاسقين * زارت رابعة حيّونة (المجنونة). فلما كان جوف الليل حمل رابعة النومُ، فقامت إليها فركلتها برجلها وهي تقول: قومي قد جاء عرس المهتدين، يا من زيّن عرائس الليل بنور التهجد. "ومضة" كان ابن أبي نصر يقول: كنت كثيراً ما أسمع بهلول المجنون يقول: إذا خان الأمير وكاتباه وقــاضــي الأرض داهــن في الــــقضــــاء فويلٌ ثم ويلٌ ثم ويلٌ لقاضي الأرض من قاضي السماء [email protected]