11 سبتمبر 2025

تسجيل

ماذا تريد المنظمات الدولية من دول العالم الثالث؟

27 يناير 2021

أتحدث من خبرة علمية وعملية، إن كثيرا من المنظمات الدولية والمؤسسات الاستشارية الغربية التي تجلب إلى بلداننا، ليست على دراية بخصوصيات اقتصاداتنا ومجتمعاتنا وبلداننا أكثر منا، وكثير منها جرت وصفاتها دمارا على شعوب العالم الثالث، كما جرى مع تدخلات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية في كثير من مناطق العالم، منها أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية في الثمانينيات، وشرق آسيا أواخر التسعينيات، وروسيا والمغرب، ومصر وتونس قبل الثورة وبعدها، والقائمة تطول من الأمثلة، وبعضها لا يزال ماثلا أمام العيان. إن أحسنا الظن، نقول إنها ليست على دراية بخصوصياتنا، وتعطي كما يقال مقاسا واحداً للكل ‏ one size fit all، وهي مقولة مبسطة وساذجة، لأن نفس الأخطاء تتكرر هنا وهناك ولأكثر من نصف قرن، رغم نتائجها السيئة والكم الهائل من النقد والتفنيد لهذه السياسات ولتدخلات المنظمات الدولية في دول العالم الثالث. وإذا أردنا الأقرب للواقع والحقيقة، فهي مضللة، وبعضها يمارس النفاق، ويدس السم في العسل، ويخدم أجندات خفية لصالح المستعمر الغربي القديم، فلا يزال العديد من هذه المؤسسات الدولية يشكل أذرعا له، سواء في المجال الاقتصادي أوالثقافي أوالسياسي.. الخ. إن كثيراً من هذه المنظمات والمؤسسات تأتي بوصفات وتوصيات لا تتناسب وخصوصية دولنا الصغيرة التي تعاني من خلل في التركيبة السكانية وعدم استقرار وقابلية في أوضاعها الاقتصادية للاستدامة، وتعطي وصفات لا يكون تطبيقها في صالح دولنا، وإن بدا غير ذلك، وفيها عدم عدالة نظرا للاختلال الواضح في الموازين بين دول العالم الثالث التي لا تزال في طور التنمية ودول تخطت ذلك بمراحل وأصبحت متقدمة صناعيا واقتصاديا، فالآثار السلبية المترتبة على الطرفين ليست متماثلة. فكثير من هذه المؤسسات يحاول تطبيق أنظمة وثقافات وقيم للمجتمعات الغربية على غيرها دون مراعاة لخصوصياتها الاقتصادية، ولا احترام لاختلاف ثقافاتها وقيمها الاجتماعية، وفي ذاك نوع من الكبر والغرور والإلغاء للآخر، لذلك لا يجب الاستماع لكل ما تقوله هذه المنظمات الدولية. تحرير سوق العمالة الأجنبية كان يفترض التأني في التغيرات الجرئية والسريعة التي أدخلت على سوق العمل، وأن تخضع لدراسات مستفيضة من قبل أهل خبرة واختصاص في المجال، لتقييم نتائجها المتوقعة وتبعتها على سوق العمل، وكان يفترض نشر هذه الدراسات، لتطرح للنقاش (علميا) بهدف الارتقاء بها وتطويرها وصولا بها إلى أفضل النتائج قبل الإقدام عليها. إن نهاية سوق العمالة الأجنبية في قطر ولكن بدايتها هناك في بلدانها الأصلية، فعملية الاختيار والتوظيف تتم هناك وليس في بلداننا، ولذلك من المفترض أن تكون عملية التوظيف بحرية وتنافسية وإنسيابة تامة برعاية دول تلك العمالة لمواطنيها، وأن تكون حسب عقود عمل مبرمة مسبقا عند تحديد جهة العمل والتوافق بين الطرفين، بما يضمن حقوق كل منهما، وتضمن حق المستثمر المستقدم باحترام عقد العمل أثناء فترة سريانه. إن عملية بناء رأس المال البشري - العامل الأجنبي - طويلة وتبدأ منذ الحصول على تأشيرة الدخول، مرورا بإجراءات الاستقدام المختلفة حتى الإعداد والتأهيل، وهي عملية مضنية ومكلفة ومحفوفة بمخاطر الفشل بطبيعتها، لذلك يجب ضمان حقوق المستثمر أي المستقدم، فيما أنفق من تكاليف في استثماره (وبعض هذه التكاليف يصعب تقييمها ماديا)، وذلك لتحفيزه على الإقدام على الاستثمار في المقام الأول وعدم الإحجام عنه بسبب عدم الجدوى أو ارتفاع المخاطر، ولضمان حد أدنى من الاستقرار في سوق العمل، وإلا لأدى ذلك إلى الإحجام والإغلاق والخروج من المجال وتكريس الاحتكار. إن سوق العمالة الأجنبية عندنا لا يمكن أن تكون تنافسية على نمط العمالة الوطنية كما تريد لها المنظمات الغربية، وذلك لعدة اعتبارات منها، الوطني، والاقتصادي، والديمغرافي واختلال التركيبة السكانية، ولأن السوق بشكلها الأوسع ليست تنافسية أساسا على الوجه المطلوب وتعاني من تركزات وتشوهات تخل بتكافؤ الفرص. تبعات تحرير سوق العمالة الأجنبية إن تحرير سوق العمالة الأجنبية بالطريقة التي تمت، قد يؤدي إلى زيادة التركزات في قطاع الأعمال، أي زيادة الاحتكار وتكريس الممارسات الاحتكارية عندما تتمكن الشركات الكبيرة والأوفر حظا وحظوة من تفريغ الشركات والكيانات الأصغر من الكفاءات والعمالة الماهر وأصحاب الحرف، وأية نتائج إيجابية متوقعة لتحرير سوق العمالة الأجنبية المستوردة، على الأغلب ستكون مؤقتة وستتلاشى تدريجيا عندما تتمكن الشركات الأكبر حجما وتزداد سطوتها وتحكمها في السوق، وتتكرس ممارساتها الاحتكارية، ولو اتسعت هذه الظاهرة، فقد يختفي كثير من الشركات والكيانات الصغيرة، التي نسعى لدعمها وتنميتها لأهداف اقتصادية واجتماعية، وسترتفع معدلات الاغلاق والإفلاس بينها والعجز عن سداد ديدونها. ولا شك أن لزيادة التركزات والاحتكار في الأسواق آثارا سلبية على الاقتصاد والمجتمع، فهي تضعف الجودة والتنافسية محليا وخارجيا، وبالتالي لها أيضا آثار سلبية على عملية التنويع وتنمية المنتج الوطني والاكتفاء الذاتي وفيها إجحاف بحق المستهلك. تبعات نظام الهجرة المفتوحة للعمالة الأجنبية والحقيقة التي لا يراها منتقدو دول مجلس التعاون، في الغرب، أن هذه الدول توفر نظام هجرة مفتوحة إلى أوطانها للعمالة الأحنبية، فريدا من نوعه على مستوى العالم، ولا يتوفر في بلدانها، وهذا له آثار سلبية كبيرة، اقتصادية واجتماعية وسياسية على دول المجلس، لست بصدد تناولها هنا، ولكن منها أن هذا النظام أدى إلى اختلال وتحورات في التركيبة السكانية في هذه الدول، أصبح معه المواطنون أقليات في أوطانهم، وأدى إلى تسربات كبيرة في رؤوس الأموال الوطنية إلى الخارج، وإلى مزاحمة تنمية قطاع صناعات قابلة للتصدير وتسهم في التطور التكنولوجي والتنويع الاقتصادي وخلق فرص عمل للمواطنين، لصالح قطاعات كثيفة استخدام العمالة الأجنبية قليلة المهارة، وهذا أبقى الاقتصادات حبيسة مستوى منخفض من التكنولوجيا والإنتاجية، وأكثر اعتمادا على النفط وعرضة لتقلبات أسواق الطاقة العالمية، وأسهم بشكل كبير في إفشال عملية التنويع الاقتصادي. إن توفيرعقد عمل لعمالة أجنبية في غير أوطانها بشروط تضمن حقوق الطرفين، تعتبر فرصة جيدة للعمالة الأجنبية، ولا يفترض أن تكون دول الخليج ملزمة بأبعد من ذلك، كإلغاء هذه العقود وإتاحة حرية حركة تامة على أراضيها لغير مواطنيها، وأعتقد هذا أمر معقول ومعمول به في كثير إن لم يكن معظم دول العالم. باحث في السياسة النقدية وعلم الاقتصاد السياسي بمعهد الفكر الاقتصادي المستجد بجامعة كمبردج [email protected]