30 أكتوبر 2025
تسجيلالحديث عن مسيرة "العمل الدبلوماسي" في دولة قطر عبر العقود الخمسة الماضية حديث ذو شجون، خاصة أن العمل في هذا المضمار جاء الاهتمام الاكبر به مع استقلال دولة قطر منذ الثالث من سبتمبر 1971م، وان كان الحضور القطري على الساحة السياسية محليا وخارجيا متواجدا، ومن هنا فقد ظهرت عدة اسماء من الكفاءات القطرية التي دخلت هذا الميدان بكل ثقة واقتدار، حيث ساهمت في الارتقاء بسمعة قطر الخارجية على الصعيدين الاقليمي والعالمي، وصولا الى المرحلة الزاهرة التي نعيشها اليوم من تطور هائل في شتى المجالات، ومنها بالطبع الحضور القطري الكبير في مجال السياسة الدولية وتفوقها كدولة فاعلة ومؤثرة في القرار السياسي الدولي.تفتقد الساحة الثقافية في دولة قطر قضية في غاية الاهمية، غالبا ما تكون مغيبة وغير موجودة لا في السابق ولا في الحاضر، وهي قضية توثيق سيَر ومآثر اهل قطر من الأعلام والحكام والوجهاء والادباء والشعراء ورجال السلك الدبلوماسي والعلماء والقضاة والوزراء وكبار الأعيان، وغيرهم من الشخصيات القطرية التي لم تهتم بتوثيق تاريخها اية جهة حكومية، ولم تتحمل العبء في الكتابة عنها ولو أقل القليل لتوريثه للأجيال المعاصرة واجيال المستقبل.وقد تناولت هذا الموضوع في اكثر من مقال سابق، مع الالحاح على الجهات الثقافية في هذا الوطن بالشروع في توثيق هذا الجزء المهم من تاريخ وسير أعلام قطر، وبخاصة خلال القرن الماضي على وجه الخصوص، لان سيرهم لم يكتب عنها الا القليل، ولعل الدراسات التي تناولت سيرهم ما زالت تعد على الاصابع. ومن هنا فإننا بحاجة الى الشروع بهذه المسألة التوثيقية من الآن قبل فوات الاوان، وهو ما يأتي من باب المحافظة على هذا الإرث الثقافي لرجال ونساء قطر، لمن اعطى الكثير لقطر الخير خلال سنوات العمر، وهي سنوات مهمة من تاريخ قطر في الماضي، يجب توثيقها وتسجيلها في مجلدات ضخمة، تحكي للأجيال على مر العصور سيَر ومآثر هؤلاء الأعلام.من هؤلاء الرجال المغفور له بإذن الله تعالى سعادة السفير إبراهيم حمد عبدالله النصر "أبو مشعل" الذي غادرنا الى الدار الآخرة خلال هذه الايام من شهر يناير 2016 م، بعد عطاء دام لعدة عقود في خدمة الدبلوماسية ووزارة الخارجية القطرية، حيث عمل الفقيد في هذا المجال منذ فجر استقلال دولة قطر عام 1971 م، وكان له السبق في المشاركة بتمثيل وفد دولة قطر من قبل وزارة الخارجية التي كان احد المؤسسين الاوائل من اهل قطر الذين تم تشكيلهم ضمن الوفد الرسمي لدولة قطر، وكان برئاسة المرحوم الدكتور حسن كامل الذي كان يشغل منصب مستشار سمو امير دولة قطر في ذلك الوقت، ومن ثم ترتب عليه تقديم طلب انضمام دولة قطر إلى عضوية الأمم المتحدة خلال ذلك العام، كما كان اول سفراء قطر في باريس في تلك الفترة، وبعدها عاد الى الدوحة ليشغل منصب مدير الإدارة الاقتصادية والثقافية، حتى تقاعده عن العمل في تسعينيات القرن الماضي على وجه التقريب.وقد عاصر الفقيد النصر أثناء عمله حكم سمو الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر فيما بين (1972 — 1995)، وعمل في كنف وزير الخارجية القطري في ذلك الوقت المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ سحيم بن حمد بن عبدالله آل ثاني أول وزير خارجية لدولة قطر، وكان ذلك بتاريخ 23 فبراير 1972، الذي قام في تلك الفترة بنشاطات بارزة لخدمة قطر واسهم مساهمة كبيرة في رفع اسم قطر عالياً خفاقا في مختلف المحافل العربية والدولية، كما حضر بعض دورات الأمم المتحدة والمؤتمرات، وارتبط بعلاقات صداقة شخصية بالعديد من القادة والزعماء العرب وغير العرب وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي، وعرف بشخصيته القيادية وحنكته السياسية وكرمه اللامحدود، وقد كانت وفاته في الحادي والعشرين من أغسطس عام 1985، كما كان كذلك احد أبرز رجالات قطر الكبار، وتوفي عن عمر ناهز الثانية والخمسين عاما إثر نوبة قلبية مفاجئة.والسفير النصر من مواليد "فريج إسلطة" من أحياء مدينة الدوحة الشهيرة وكان ذلك سنة 1946 م تقريبا، وقد درس في مدارس قطر، ثم واصل مسيرته الدراسية حيث حصل على الليسانس من كلية الآداب بجامعة القاهرة، وتقلد العديد من المناصب في حياته العملية منها العمل في اول مشوار حياته في وزارة العمل ثم بوزارة الخارجية، كما شارك في بعض اللجان بالدولة خلال عمله في الحكومة، وكانت تربطه علاقة قديمة مع السفير محمد بن سالم بن راشد الكواري وغيره من السفراء والرعيل الاوائل العاملين في تلك الفترة. وقد سكن الفقيد "فريج النصر" أحد أحياء الدوحة المعروفة بوسط العاصمة مع أقاربه وذويه من عائلة النصر الكرام.وللراحل عدد من الأبناء هم: مشعل، عبدالله، خليفة، حمد، أحمد. وله بعض البنات حيث تزوج من احدى بناته سعادة السفير عبدالعزيز بن أحمد الجهني المالكي سفير دولة قطر في إيطاليا. وخال الفقيد هو المهندس عبدالله حيي بو غانم السليطي، ووالدته هي ابنة المرحوم حيي بو غانم السليطي. أما زوجته فهي ابنة السيد عبدالله بن أحمد المالكي.وله عدد من الإخوة هم: محمد بن حمد النصر مدير دار الكتب القطرية ونائب رئيس المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث سابقا، وعبدالله بن حمد النصر وهو لواء في الجيش، وعبدالعزيز بن حمد النصر ويعمل برتبة عميد في الجيش القطري أيضا.أما والد المرحوم فهو النوخذا (الربان) حمد بن عبدالله النصر واشتهر كأحد ربابنة الغوص واللؤلؤ في قطر خلال القرن الماضي وقبل اكتشاف النفط في تلك الحقبة المهمة من تاريخ قطر في الماضي وعمل ايضا بعد كساد الغوص في الموانئ. وعم والده هو السردال وأمير الغوص الشهير ابراهيم بن نصر النصر الذي عرف كأحد رجال البحر في قطر ومنطقة الخليج خلال ذلك التاريخ. في الختام: لابد من الاشارة الى ان السفير النصر رحمه الله — كان من الشخصيات المتواضعة للغاية حيث عرف عنه طيب معشره ودماثة أخلاقه، كما كان قليل الكلام الا بما ينفع، ومثقفا رزينا، ومثالا رائعا للدبلوماسي القطري الناجح في عمله والمخلص لوطنه، إنه رجل الدولة وصاحب الذهن المتوقد من طرازٍ نادر وفريد. عليك رحمة الله يا "أبو مشعل"، يامن عاش رحلته الدبلوماسية في حمل هموم الوطن، ومن ثم الذود عنه أمام العالم الخارجي. ويا من ترجل كفارس عربي أصيل في الموقف والكلمة ومنارة الدبلوماسية القطرية.** كلمة أخيرة:من خلال هذا المنبر نوجه الدعوة للجهات الدبلوماسية والثقافية في دولة قطر، بأن تسعى للمبادرة من الآن بتوثيق سير أعلام قطر، وتخليد هذه السير في عدة دراسات مستفيضة لخدمة الأجيال القادمة، لكونها جزءا لا يتجزأ من تاريخ قطر المعاصر.