18 سبتمبر 2025
تسجيلفي نهاية سبعينيات القرن الماضي كانت منطقتنا الخليجية والعربية عموماً تعيش تحولاً دراماتيكياً في مشهدها السياسي. حيث فر الشاه محمد رضا بهلوي من عرش الحكم الفارسي العريق مخلياً سدة الحكم في بلاد فارس لعهد جديد جلبته ثورة الملالي في طهران بعد محاولات مكثفة للنيل من الكيان الفارسي الذي ظل يمارس غطرسته وتحديه للغرب كما يقال. فكانت ممارسات الشاه وبرجوازيته لا ترسم المستقبل الحميد لإمبراطوريته بقدر ما كانت ترسم ملامح النهاية لذلك الكيان بقوته وجيوشه. حقا كان بهلوي كما وصفه محمد هيكل في كتابه " زيارة جديدة للتاريخ الطبعة الأولى 1985م " يجدف بقاربه في اتجاه مغاير للتاريخ رغم معارضته الضمنية لقرار تأميم النفط الإيراني الشهير والمدعوم شعبياً ربما استشعاراً منه بخطورة المردود المعنوي لذلك القرار في علاقاته مع الغرب رغم ما يدره القرار من عائد مادي ضخم على بلاده. فاللعبة السياسية هنا في الخليج بما فيها من كر وفر كانت مبكرة ومتقنة منذ قرار حكومة مصدقي الشهير بتأميم النفط الإيراني فلم تنته اللعبة بسقوط عرش الطاووس ولم تكن مغادرة الشاه لطهران نقطة نهاية السطر بل بداية لمرحلة متعددة الشُعب والاتجاهات لكل المنطقة فإضرار قرار مصدقي بالاقتصاد الغربي ونهشه للجزء الأكبر من مداخيل تلك الدول راسماً منحنى جديدا في الاقتصاد العالمي وخارطته السياسية وتحالفاتها رغم اعتبار إيران المصد الغربي الأول لطموحات الاتحاد السوفيتي آنذاك وتلك العلاقات المعلنة لنظام الشاه مع إسرائيل وهو ما يبدو معه مضمون عالمية المثل العربي " قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق " سوى أن قطع الأعناق ظل ديدناً للقوى العظمى لبسط هيمنتها وصياغة المستقبل نحو مزاجيتها في كل المواقع ذات العلاقة والأهمية لها. فذلك هو ما كتب السطور الأولى لمرحلة ما بعد التأميم فكانت الأحداث في المنطقة آنذاك تمر سريعة وتحمل رياحاً عاصفة لا تهب وفق هوى الناس هنا. فغالبية جيلنا الحالي كان يلهو ببراءة طفولته أو مهموماً بكسب رغيف عيشه فلا أخاله مدركاً لمستقبله وهموم محيطه كما أن إعلامنا العربي البسيط في مكونه لم يتقن حقيقة ما يجري ومضمونه فظل الجميع لا يدري بأن مجريات الأحداث كانت تبلور صياغة جديدة لمستقبله وتفرض نمطيات ومفردات تقسم المكون الاجتماعي المحلي إلى قسمين بل وتوسع الأمر نحو خلق اصطفاف طائفي ظل مغيباً تاريخاً طويلاً عن مجتمعاتنا المحلية سوى أنه الوتر الاصدح في حزمة ما يمكن العزف عليه بيد خبير يجيد مفردات العزف فيها وذلك هو مأزق المنطقة الموروث. فالبذرة نحو ما يشاهد الآن من تمحور اجتماعي كانت بذرة سياسية جلبت الإمام الخميني إلى طهران ليقود ثورة حركت الكثير من المياه الراكدة وغدا للحدث الإيراني الكبير أصداء تغلغلت حتى في علاقاتنا الطفولية وفي مدارسنا وتعالت بيننا أصوات ذلك الوتر الذي ظل مغيبا لتظهر ملامح جديدة للمشهد في صور الإعلام الحديث وغير المقيد لتبرز عموم تجاذباتنا جلية للرائي الذي حدث نفسه يوماً بشكل المشهد الحالي ورسم أطره بمفعلات تاريخية استكمالاً لصورة اللوحة ونتائج اللعبة والتي لم تنته بعد فهناك فصول وملاحق تحملها الأيام وربما تغير أكثر في ملامح المنطقة ما لم يستدرك الأمر بصياغات تواكب الراهن وتوفر للعموم متطلبات العيش بكل مضامينها. أعتقد أن المؤسسات المعنية بالقرار هنا تعي حقيقة الموقف وتدرك حجم مضمون وبرامج القوى العالمية وأهدافها تجاه المنطقة وتدرك أيضاً حساسية اللعب على العواطف الشعبية وصياغة أهدافها مابين سياسية واقتصادية وأخرى طائفية أو حزبية. كما أن الشعوب المحلية مطالبة بتحديد ميولها ما بين تطلعات تصاغ وتزخرف بيد الغير وما بين الحفاظ على موروثها وفق توافقات تقدر حجم التغيير وخطورته. عموماً المرحلة الحالية خطرة ومنتجاتها سريعة ولا تقبل الارتكان إلى القدر وحده بل تستلزم مشاركة جادة وحصافة في الفهم والتعاطي معاً من المواطنين والحكومات.