27 أكتوبر 2025
تسجيلما تكشف من مستور المفاوضات بين سلطة منظمة فتح والعدو، وما تأكد من أن مفاوضي هذه المنظمة قدموا تنازلات جوهرية تمس حق العودة والحرم القدسي الشريف وأنهم طالبوا العدو بتشديد الحصار على غزة التي نسقوا العدوان عليها، وأنهم نسقوا مخابراتيا مع الاحتلال لقتل نشطاء من كتائب الأقصى.. وغير ذلك مما تكشف ولا مجال لحصره هنا ومما لم يتكشف وبالتأكيد ستبرزه الأيام.. كل ذلك يؤكد حقيقة أضحت أجلى من الشمس في رابعة النهار ؛ هي أن السلطة صارت جزءا من المشروع الاحتلالي الصهيوني، وأن قيامها ووجودها صار نقيضا بالمطلق مع المشروع الوطني وأبعد من أي إمكانية نظرية أو عملية للتحرير. الذين لا يزالون يحسنون الظن في هذه السلطة وفي منظمة فتح سيتلفتون ذات يوم ليجدوا التهويد والاستيطان قد قضيا على أي إمكانية لقيام دولة الحد الأدنى، وليجدوا العالم يعترف بالدولة الصهيونية على كل ما تحت يدها، وليجدوا أن تغيير الوقائع على الأرض ليس حلا عمليا.. ثم لتبرر لهم (فتح أو السلطة) بأنها تقبل كل ذلك تحت ضغط الواقع وقلة الأنصار.. - وبالانقسام الذي من المتوقع أن يحتفظوا به لذلك الوقت ولذلك التبرير – وبغير ذلك من المعاذير التي اعتادوا أن يجرجروا ألسنتهم في التذرع بها. محمود عباس ومن معه لا يزالون يصرون على أنهم قادة المرحلة وأنهم الأمل الموعود للتحرير واللواء المعقود للاستقلال ؛ فإن تساءلت عن خططهم وهوامشهم وأدواتهم ووسائلهم وإمكاناتهم.. فلن تجد إلا لغة إنشائية ركيكة وجملة عبارات وفهاهات لا تشترى بعددها من حبات شعير أو كسرات تبن.. هنا ينشأ سؤال وبالجدية ذاتها التي نتحدث فيها عن التحرير والاستقلال وعن دور الأجيال في وراثة وتوريث الفعل الوطني ؛ سؤالا يطرحه الناقدون للسلطة الناقمون على فسادها وانحرافها بقدر ما يطرحه المخدوعون بها الواهمون الحل على أيديها: هل يمكن عمليا ونظريا إعادة الاعتبار للثورة والمقاومة والانتفاضة؟ وهل السلطة قادرة على فعل شيء في هذا الإطار هي لم تفعله حتى الآن؟ وهل تفكيك السلطة عند الاقتضاء ممكن؟ وهل هو لمصلحة الفلسطينيين أم ضد هذه المصلحة؟ (خاصة أن ثمة من يروجون إلى أن تفكيك السلطة هو مطلب صهيوني).. وأقول: هي أربع حقائق لا بد من التأكيد عليها والتذكير بها وفيها الإجابة؛ الحقيقة الأولى: أن العمل السياسي – وكما هو معروف في أبجديات علم السياسة وكما مورس ويمارس في أنحاء الدنيا كلها – يقوم على دعامتين أو قوتين هما: القوة النظرية (الحقوقية والإعلامية والدبلوماسية والأخلاقية..)، والقوة الواقعية (الميدانية أو العسكرية).. هاتان القوتان متلازمتان تلازم السبب بالمسبب والمقدمة بالنتيجة.. وعليه 1- فليس يمكن وليس يصح في عقل ولا واقع أن تسعى السلطة للتحرير وهي لا تملك إلا خيار العمل السياسي كخيار واحد وأوحد ووحيد مقطوعا عن الخيار العسكري أو حتى خيار الانتفاضة الشعبية! ثم تكتفي من كل العمل السياسي بالتسوية الميتة والمفاوضات العقيمة والتنازلات المجانية والترجيات المهينة 2- ولا يمكن القبول بأن تتحول سفارات السلطة في كثير من الأحيان إلى مكاتب سياحة لاستئجار الفنادق وقوأمة مواعيد القادمين والضيوف من المسؤولين وأبنائهم وعائلاتهم، أو لملاحقة مقال يكتب أو رأي يقال 3- ولا يمكن تقبل أن تنحصر تحالفات السلطة بالنظم المتصهينة بقدر ما تعادي نظم الممانعة 4- كما لا يمكن قبول أن يوظف إعلام السلطة (للهشك بشك) من أغاني هابطة وأفلام خلاعية.. الحقيقة الثانية: أن القضية الفلسطينية بامتدادها القومي والديني والفكري وبأبعادها السياسية والتاريخية والأمنية وبماضيها وحاضرها ومستقبلها هي أكبر من كل الأشخاص والأحزاب والاتجاهات، وعليه ؛ 1- فلتذهب إلى قعر جهنم كل الخلافات والمصالح والمحاور الشخصية والحزبية والاتجاهية التي تحافظ عليها السلطة والتي تعطل التحرير أو تتقدم عليه فضلا عن أن تغتاله أو تخونه، 2- ولا تجوز المقايضة بين المكاسب الوطنية العامة والتاريخية بأية مكتسبات أو عوائد شخصية ولا أن تبنى المواقف على أساس الخوف الشخصي لأي كان ومن أي كان.. ويكفي في هذا الصدد التذكير بامتناع محمود عباس عن حضور قمة الدوحة إبان العدوان على غزة خشية (الذبح) كما قال 3- ولا يقبل هنا أيضا التذرع أو الرضى بالمانع الصهيوني من أي خطوة إذا كانت تتطلبها المصلحة الوطنية الفلسطينية.. ينطبق هذا على شروط المصالحة كما ينطبق على أية تصرفات تتم تحت الضغط الصهيوني أو الإجراءات الصهيونية على الأرض.. الحقيقة الثالثة: أن المستقبل وخياراته تنبني عضويا وتلقائيا على الحاضر وعلى الماضي كتجارب ومحصلات، وللشعب الفلسطيني تجارب في السياسات والحراكات والقيادات والإنجازات يجب البناء عليها ولا يجوز تجاهلها.. وعليه؛ 1- فلا يصح تجاهل أو تجاوز عثار التسوية وما انتهت إليه من أفشال ولا تجاهل المقاومة ونجاحاتها وإنجازاتها وهي التي كنست الاحتلال من غزة ولاحقت العدو في عقر ما يعتبره بيته وعرينه لأسر جنوده ثم مساومته على تحرير الأسرى الذين لا أمل لتحريرهم بغير ذلك.. الواجب والضروري أن تتم مقايسة تجربة السلطة مع التنسيق المخابراتي المائلة في الضفة، وتجربة السلطة مع المقاومة الماثلة في غزة.. 2- لم يعد أحد يستطيع أن يخدع الشعب الفلسطيني أو يجيره أو يسكته بخطاب أو تصريح أو دعوى لا يدعمها الدليل ولا يشفعها الواقع.. فقد مر على الشعب الفلسطيني تجارب ومقارعات رأى في سياقها وخبر أجندات وأحزابا واتجاهات وأشخاصا وعرف بالضبط المرتبط منهم بالداخل والمرتبط منهم بالخارج وصار على معرفة يقينية بجدوى كل وسيلة منها وبكيفيات وتوقيتات استخدامها.. وصار صندوق الاقتراع هو المعبر الوحيد عن ذلك.. والذي يجب أن يلجأ إليه دائما.. الحقيقة الرابعة: أن العدو الصهيوني هو الذي أوجد السلطة! وأنه بمحض اختياره ومزاجه أدخل من أدخل من الثوار لفلسطين! ليس ليقيم لهم كينونة سياسية أو دولة وطنية (هذه حقيقة أثبتتها تملصاته المستمرة من الالتزامات، وأثبتها التواطؤ الأميركي معه، وأثبتها الواقع).. وعليه 1- فإن تفكيك السلطة إذا تحتم – وقد تحتم - يجب أن ينظر إليه على أنه خطوة معاكسة للاستراتيجية الصهيونية.. 2- وتفكيك السلطة كمطلب فلسطيني وطني يعني الانطلاق فورا إلى تفجير كل الإمكانات الفلسطينية في وجه الاحتلال ويعني إلقاء كرة اللهب الثوري في وجهه ووجه عملائه من الأنظمة المتصهينة وفي وجه الأمم المتحدة والرباعية المتواطئة معه.. 3- ولا بد من إلغاء كل الالتزامات والاعترافات والاعتمادات التي قدمتها السلطة سرا أو علنا.. 4- ولا يجوز أن يظل الشعب الفلسطيني ساكنا متقبلا ما يقع عليه من غبن واستضعاف وتخريب تقوم به عصبة لم تعد تهمهم إلا علاقاتهم الشخصية مع الاحتلال ورضاه عنهم وعوائد ذلك على وجاهتهم ومناصبهم وأموالهم.. 5- إن لم تبادر قيادة فتح والسلطة لهذا الموقف الكبير والجوهري فالمتوقع أن يهب الشعب الفلسطيني (عاجلا أو آجلا).. آخر القول: ما تقوم به السلطة ومنظمة فتح من تعطيل للمشروع الوطني وما تمثله من دور وظيفي لصالح الاحتلال وسياساته وممارساته.. لا يقل خطرا عن احتلالي الـ 48 والـ 67.. وعليه فإن حسم هذا الانحراف من خلال تفكيك السلطة واستصلاح منظمة فتح (أو تفكيكها) واعتماد المقاومة في كل الأرض الفلسطينية وما سيتبعه من إعادة القضية إلى وجاهتها دينيا وقوميا ورسميا وشعبيا ؛ محليا وإقليميا ودوليا، وما سيترتب عليه من تحفيز للتحرك.. كل ذلك لا يقل أهمية ووجاهة عن إطلاق الثورة عام الـ 64، أو انطلاق حماس عام الـ 87، أو الانتفاضتين الأولى والثانية.. ولئن حدث ذلك فلسوف نرى كثيرين ممن يتعالون علينا ويتعامون عن حقوقنا يسعون لخطب ودنا وسيصبح العمل السياسي الفلسطيني ذا جدوى.. وعند ذلك ستجد حركة فتح والقيادات التي تريد مداهنة العالم صيغا أخرى لممارسة هواياتها سوى لبس البذلات وعقد الربطات والظهور على المنصات والتسمي بالرتب والمناصب والوزارات؛ ودون أن يكون ذلك على حسابنا وحدنا.