29 سبتمبر 2025

تسجيل

النمطية والابتكار علة الحياة

26 ديسمبر 2012

بقدر ما نطالب بالنمطية في العمل من خلال وضع نظم وإجراءات وأجهزة وسياسات، ومنهجية في العمل بقدر ما نطالب بالابتكار والريادة والمبادرة والتطوير، وهذان مطلبان متناقضان في الظاهر، ومتجانسان في الداخل وطرفا معادلة الواقع، وكلاهما ضروري لبقاء الفرد والمؤسسة، فالجانب الرتيب والمتكرر في العمل يحتاج لآلية رتيبة وميكانيكية في تعاملها مع الروتين، كما هو القلب وباقي أجهزة الجسد التي تعنى بالوظائف الحيوية في جسم الإنسان، ولكن هنا كل الأجهزة الأخرى مهيأة للتعامل مع المتغيرات في البيئة من حول الإنسان، مثل العين والعقل والأذن والجهاز التنفسي فكلها تسجل المتغيرات في العالم من حول الإنسان. إذن من الطبيعي أن نطالب رجل الأعمال وصاحب القرار والإنسان بشكل عام أن يملك كلى الملكتين، ملكة القدرة على استيعاب التغيير وملكة المعتاد المتعارف عليه والأحداث المتكررة، فيستوعب دورات الأعمال وحاجة الناس المتكررة للأكل والنوم الشرب وغيرها، وحاجتهم لكل جديد وللتغير والتطوير، خاصة عندما ننظر للتطورات التي أتت بالكهرباء والحاسوب وشبكة المعلومات والتطورات في الصحة والتعليم، ولذلك فإن الحياة تستقيم بالتوازن بين هذين العنصرين اللذين كل منهما يكمل الآخر ولا يستقيم إلا به ولا تصح الحياة إلا بهما، متلازمين متضادين متكاملين، ولكن هذين الطلبين لا يصحان حتى ندرك أنهما نقيضان، ولكن كما هو شأن الحياة والموت هما طرفا الواقع، فوضع إجراءات يعني التكرار والالتزام والمراقبة والجزاء والتكريم والإشادة. عندما يبدأ العمل يكون فوضويا وركيكا ومع مرور الوقت تتطور الأمور وتنشأ مطالب لتكريس مفهوم التنظيم وتحويل النشاط إلى مؤسسة وتتحول المبادرات إلى هياكل وبنى ونظم وتصبح كتلة وكيان ويصبح له سياسات وآليات ويملك صفة قانونية ويطالب بمن يلتحق به الولاء والالتزام وبذل الجهد لإنجاح مشاريعه والعمل على إبقائه حيا، فأخذ غريزة البقاء حياة قائمة تجعل أي ما تراه المؤسسة تهديد لها أمر لا بد من إسكاته والقضاء عليه، فيدخل الروتين والنمطية، فدور المؤسسة ليس سوى تنميط للأحداث والواقع بشكل يعكس ماهية المؤسسة، كما حدث مع حزب البعث أو إخوان المسلمين أو الأحزاب بشكل عام أو المنظمات، هي منظمات مهمتها تحويل عشوائية العمل إلى نظم وإجراءات وسياسات أي أنها آلية تنميط، ومن هنا نرى مدى صعوبة الابتكار والتطوير من خلال المؤسسات القائمة، فهي إما ترى في التغير أو التطوير خطر عليها وعلى أسلوب بقائها أو أنها لا ترى أن مثل تلك العمليات مقنعة لها ولأنها لا تدرك عمق التحولات في البيئة من حولها ولا تملك رؤية مستقبلية ولذلك فمن الحكمة أن تترك المبادرات في كل أطراف المجتمع حرة في سعيها لأننا لا نعلم المستقبل ولا تعرجاته، ولكن هي المهيأة أكثر لإدخال التغير الضروري ولو كونها في شكل مؤسسات صغيرة أو شركات بسيطة فقد تملك رؤية هي الأصلح في المستقبل، ولأننا نعلم أن الشركات القائمة هي الأقل قدرة على الإبداع بسبب طبيعتها وجبلتها على النظم والإجراءات والسياسات، وهذا كله يعني الجهاد من أجل البقاء كما هو الحال في الواقع لا كما يجب أن تكون عليه الصورة النمطية في أذهاننا، والقدرة على رؤية المستقبل على حقيقته وحتى نكون على جاهزة له، ففهمنا لمتلازمة النمطية والنظام وتعارضها مع الابتكار والمبادرة. يمكننا من تقبل الوضع والتعامل معه من زاوية الوعي عليه ورؤيته من خلال أنه تحد وكيان طبيعي يجب التعامل معه وليس رفضه أو إلغاؤه. بل لا بد أن يدخل قاموس العمل الإداري ويجرى إدخاله في الخطط والدراسات ويتم احتواؤه في الخطاب والطرح الإداري لمعالجة القصور الإداري وتحقيق نتائج أفضل، أما في حال لم يتم استيعاب أن النمطية والابتكار هما وجهان لعملة واحدة، فنحن معرضون للتعامل مع الأحداث بارتجالية تجعل من التحقيق نتائج ناجعة كأمر يصعب بلوغه.