29 سبتمبر 2025

تسجيل

حرب العملات:هل تتم ومن يفوز؟

26 ديسمبر 2012

هناك صراع قوي بين العملات الأساسية على من يتزعم النظام النقدي العالمي وما هي الشروط؟ نظام "بريتون وودز" الذي أقر بعد الحرب العالمية الثانية أعطى الذهب ومن ورائه الدولار الدور الأساسي. لكن بعد أن ألغت الولايات المتحدة في 15\8\1971 قرار تحويل الدولار إلى ذهب عبر سعر صرف محدد، أصبح الدولار عمليا النقد الدولي الأساسي دون منازع. منذ ذلك التاريخ لم يعد هنالك في الواقع أي نظام عالمي واضح ومحدد، بل أصبح الاقتصاد الدولي مرتكزا على عدة عملات تتنافس فيما بينها. قبل خلق اليورو، كانت المنافسة بين الدولار والمارك والين. مع اليورو ونتيجة نمو الاقتصاد الصيني وتراجع الياباني، أصبحت المنافسة الدولية اليوم عمليا بين الدولار واليورو واليوان حيث تشكل الاقتصادات الثلاثة 60% من العالمي. لولا مشاكل أوروبا المالية الحالية، لكان وضع اليورو أفضل بكثير عما هو عليه. ما هي المواصفات المطلوبة كي يقبل أي نقد في الاقتصادات المحلية والإقليمية والدولية؟ يجب أن ينظر المواطنون إلى النقد كوسيلة مقبولة وذات قيمة للتبادل السلعي والخدماتي ولتقييم الأصول وكافة المبادلات التجارية. يجب أن يحافظ النقد على قيمته الشرائية حتى لا يستبدل بآخر أو يرمى من أجل آخر. كي يكون مقبولا دوليا، على النقد أن يكون حرا في الأسواق ومتوافرا خارج الحدود بكمية كافية ويمكن استبداله بأي عملة أخرى. كي يقبل كاحتياطي دولي، عليه أن يكون صادرا عن دولة كبيرة ذات نظام مالي حديث ومؤسسات قوية ويعتمد على النظام الاقتصادي الحر. يبقى الدولار النقد الوحيد الذي يتمتع بهذه المواصفات يليه اليورو الذي يعاني من عدم وجود دولة واحدة وراءه كما أنه تضرر كثيرا من الأزمات اليونانية والإسبانية وغيرها. قدرة الولايات المتحدة على تمويل عجزها المالي عبر إصدار سندات خزينة بنقدها هي فريدة حتى اليوم وتشير إلى استمرار الثقة بالنقد والدولة. هنالك دولة تطبع دولارها لتشتري السلع والخدمات في وقت يطلب العالم منها أن تحافظ على قيمة نقدها وهذه مفارقة تعرف بتناقض "تريفين". أما اليوان فهو بعيد كل البعد عن صفة الاحتياطي النقدي الدولي ليس فقط لأنه ليس حرا في الأسواق، وإنما لأن الصين نفسها لا ترغب في تحويله إلى ذلك. ما هي الأوضاع الاقتصادية للمجموعات الثلاث وإلى ما تشير إليه الأرقام لسنة 2013؟ في النمو الاقتصادي، من المتوقع أن ينمو الاقتصاد الأمريكي بنسبة 2.3% مقابل انخفاض قدره 0.4% لدول الوحدة النقدية الأوروبية وارتفاع يقارب ال 8.5% للصين. ما زالت الصين مميزة بنموها رغم الأزمة المالية العالمية التي طالت زبائنها الغربيين. في ميزان الحساب الجاري ونسبة للناتج، من المتوقع أن يكون فائضا في أوروبا (1.4%) والصين (2.5%) وعاجزا في أمريكا (3%-). في الموازنة، من المقدر أن يكون هنالك عجز كبير في الولايات المتحدة (6- %) وعجز أدنى في كل من أوروبا (2.6- %)والصين (1- %). هذا يشير إلى أن الدول لا تزال تنفق فوق إمكاناتها وهذا سيئ على المدى الطويل. في حجم الدين العام من الناتج، يتوقع أن يصل إلى 111% في الولايات المتحدة، 93% في أوروبا و 20% في الصين. ارتفاع الدين الأمريكي يشكل نقطة ضعف تؤثر بقوة على مستقبل الاقتصاد في غياب الحلول العملية التي تفترض تعديلا في السياسة المالية. مقارنة هذه الأرقام بعضها ببعض تؤكد على عدم وجود قوة كبرى واحدة في العالم، أي أن الاقتصاد الدولي سيبقى معتمدا على عملات ثلاث متنافسة بدرجات وأحجام وأدوار مختلفة. ما هو مستقبل الدولار؟ السياسة النقدية التضخمية للمصرف المركزي الأوروبي منذ سنة 2001 أحدثت أزمة عقارية لا مثيل لها في التاريخ الحديث. الركود الذي مرت به أمريكا والتعثر في النهوض أضعفا الاقتصاد الأمريكي ونقده. لولا وجود مقرضين للولايات المتحدة كالصين والدول الخليجية وبعض الدول الآسيوية التي استثمرت في الاقتصاد، لكان الوضع الأمريكي أسوأ بكثير. يمكن للدولار أن يبقى النقد الاحتياطي الدولي الأقوى إذا استطاعت أمريكا أن تبقي عجز ميزان حسابها الجاري في حدود 3% بالتزامن مع تخفيض كبير في عجز الموازنة وارتفاعا في نسبة الادخار الداخلي كي يتم الاعتماد أكثر على التمويل الداخلي بدل الخارجي. ما هو مستقبل اليورو؟ الأزمة الأوروبية كبيرة وعميقة لكن الأوروبيين يعالجون أزمتهم بنجاح وترو وذكاء. إذا استمرت السياسات التقشفية القاسية المعتمدة اليوم، من الممكن أن ينتخب الأوروبيون مستقبلا الأحزاب المتطرفة. هنالك ضرورة للانتظام المالي ولتطبيق اتفاقية "ماستريخت" لكن ليس على حساب الاستقرارين الاجتماعي والسياسي. يجب أن تتحول الوحدة النقدية الأوروبية باتجاه وحدة فضلى أي تماما كما أوصى بها مؤلفها "روبرت مونديل" الذي حاز جائزة نوبل للاقتصاد. عندها يمكن لليورو أن يصبح منافسا قويا بل موازيا للنقد الأمريكي. ما هو مستقبل اليوان؟ تحقق الصين منذ سنوات نموا قويا متواصلا. أصبحت الصين حديثا الاقتصاد العالمي الثاني ومن المتوقع أن تصبح الأولى خلال عشرين سنة أو أقل. حققت الصين نجاحا تجاريا كبيرا وها هي تتدخل يوميا في السوق لمنع ارتفاع اليوان كي لا تنحدر صادراتها. تفتقد الصين إلى أسواق مالية منفتحة حرة عميقة وشفافة بحيث ترفع من حظوظ نقدها في الأسواق الدولية. لكن الحكومات الصينية المتعاقبة حتى اليوم لا تظهر حماسا للانتقال إلى هذا المستوى وهذا الدور. عندما يتغير الهدف وتتعدل السياسات، على الصين تحرير سعر صرف نقدها والسماح بتحويله بحرية إلى العملات الأخرى في الأسواق الداخلية والخارجية. ما هو مستقبل النظام النقدي العالمي؟ السياسات النقدية السخية الهادفة إلى تكبير حجم الكتلة النقدية تؤدي حكما إلى منافسة كبيرة بين العملات ومن الممكن إلى حروب فيما بينها. هنالك دور كبير لصندوق النقد الدولي في منع الحرب عبر التنسيق القوي والذكي بين المصارف المركزية الثلاث كما عبر رقابة الأسواق منعا للتقلبات الكبيرة المكلفة. تشير الدراسات إلى أنه في حال توقفت المصارف المركزية عن التدخل في الأسواق، سينحدر العجز التجاري الأمريكي بحدود 150 مليار دولار أي بين 1 و 2% من الناتج ويرتفع عدد فرص العمل ما بين 1 و 2 مليون. ستستفيد منطقة اليورو أيضا لكن بنسب أقل. ويتغير الاقتصاد العالمي كثيرا باتجاه دور أكبر للدول الناشئة. في سنة 2025، من المتوقع أن يبلغ حجم مجموع الناتج للدول الست الأساسية أي البرازيل والصين والهند وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وروسيا حوالي نصف الناتج العالمي. أما منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فما زالت مرتبطة كثيرا بالدولار بسبب تحرير النفط بالنقد الأمريكي. إذا اعتمدت الولايات المتحدة سياسة الدولار القوي، ستصبح الدول النفطية العربية أقوى وبالتالي تتحسن أوضاع المنطقة العربية المدولرة جدا. لكن من الحكمة توسيع التعاون المالي والتجاري بين الدول العربية من جهة وأوروبا والصين من جهة أخرى لتخفيف المخاطر وتنويع العلاقات وتوسيع الخيارات المتاحة.