10 سبتمبر 2025
تسجيلفي مثل هذه الأيام وقبل مضي 55 عاماً رفع علم السودان عالياً خفاقاً معلناً استقلال أمة فتية، وحرية شعب أبيّ، وميلاد وطن شامخ وشاسع، ومستقبل بلد بازغ باعتبار السودان أول دولة إفريقية جنوب الصحراء تنال استقلالها عبر نضال مديد، وعزم نضير. عندها.. هتفت الجموع المحتشدة، السودان للسودانيين، وملأت الفضاءات زغاريد الحرائر، وابتسامات الصبايا، وأناشيد الصبية، وابتهالات الشيوخ.. الآن يحتفل السودانيون بعيد الاستقلال من المستعمر البغيض الذي سلب الثروات، وأذل الأهلين، وبذر بذور الفرقة والشتات والتشظى الذي بدأت ثمراته المرة تنبع في جنوب السودان وشبح التقسيم المرير في فضاءات دارفور. ومنذ نيل البلاد استقلالها لم ينعم السودانيون بحكم راشد طويل المدى.. فالديمقراطية الوليدة عقب الاستقلال لم تعمر طويلاً باستيلاء العسكر على السلطة.. واستمر حلزون الانقلابات العسكرية يقض مضاجع الوطن، ويقوض معالم ومعاني الديمقراطية وأسس المشاركة الشعبية المسؤولة، ومبادئ الديمقراطية في سيادة حكم القانون، واستقلال القضاء وبسط الحريات والتداول السلمي للسلطة. المشهد الحالي في السودان يوحي بالحسرة والندامة والشؤم.. انفصال جنوب السودان بات كابوساً مرعباً ومعيباً لوطن أسهم ساسته الحاليون في تردي الأوضاع السياسية بصورة أصبح من المستحيل معها الابتهاج والفرح بعيد الاستقلال الذي يحين بعد ثلاثة أيام. إقليم دارفور الحاني أضحت مآلاته بعبعاً مخيفاً يقتفي آثار انفصال الجنوب، وتفتيت الوطن، فخلال السنوات السبع الماضية انخرطت الحكومة السودانية –المؤتمر الوطني- في مفاوضات مكوكية لم يترك بعيرها بلداً إلا وحط رحاله الثقيلة فيها. نحن ندرك يقيناً أن المؤتمر الوطني قد فشل في إدارة الأزمة، كما أن الحركات المسلحة قد أصبحت مثل الدمى تحركها أنامل عناصر التآمر ووكلاء التقسيم، ومنظمات الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف. الاقتصاد تدنى إلى درك سحيق، المصالحة الوطنية أصبحت بعيدة المنال نسبة لتشبث المؤتمر الوطني بالمقاعد الوثيرة والسلطة، والرفض لأية مشاركة وطنية لجمع الصف والإسهام في حل أزمات البلاد من المستقبل القائم وعوضاً من أن يقبل المؤتمر الوطني باشراك المعارضة والقوى الوطنية الفاعلة، أصبح يهتم بقضايا "هامشية": - اعتقال الصحفيين وسجنهم. - فرض قيود على حرية النشر والتعبير. - تفريق التظاهرات والتجمعات بالقوة المفرطة. - جلد النساء وإذلالهن بحجة تطبيق شرع الله. أظن.. أنه لا أحد من المسلمين في الشمال يعارض تطبيق شرع الله إحقاقاً لواجب روحاني مقدس يتوشح بإحقاق العدل.. ويقتفي آثار السلف الصالح في تطبيق الشريعة الإسلامية.. بصفة شمولية ودون استثناء لأحد أياً كان. وماذا عن سارقي قوت الشعب، والمعتدين على المال العام اختلاساً وسرقة ونهبا، حتى أصبحت خزائن المال خاوية، الآن يحل علينا عيد الاستقلال ونحن أضعف مما كنا قبل 55 عاماً.. ولا يملك السودانيون إلا أن يتضرعوا لله تجلت عظمته، أن تهب على البلاد نفحات السلام ونسمات اللطف في القضاء.. والقدر.