13 سبتمبر 2025
تسجيلإذا كان للنجاح عنوان، فإنه سيكون بلا أدنى شك في قطر الشقيقة، تلك الدولة الخليجية الفتيِّة، التي صنعت لنفسها مجداً لم يستطع غيرها أن يصنع مثله في بضع سنين، وحجزت لشعبها مكانة بارزة بين الشعوب المتقدمة والأمم المتحضرة، وأصبحت - بحق - قبلة الباحثين عن التطوير والتحديث والنهضة الشاملة. قطر التي يشهد لها القاصي والداني بأنها سابقت الزمن لتنتقل من بلد صغير إلى بلد يقود ولا يُقاد، ويصنع الأحداث ولا يكون لها تابعاً، أصبحت الآن ملء السمع والبصر لا في المنطقة الخليجية وحدها، ولا بين شقيقاتها العربيات من المحيط إلى الخليج، بل على مستوى العالم بأسره. قطر التي شهدت خلال السنوات الماضية تحولات اجتماعية واقتصادية عميقة، وحركة عمرانية واسعة النطاق، وتحديثاً هائلاً في المرافق والمنشآت، لم تكن لتحقق ذلك إلا بقيادة سياسية شابة طموحة ممثلة في حضرة صاحب السمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني - حفظه الله تعالى ورعاه- والذي يتمتع بقوة الإرادة وحداثة الأفكار، وبالإيمان العميق بأن الجد والمثابرة والمصابرة تصنع المستحيل وبأنه: لا يستعصي على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا لقد خطط سمو الأمير، وفكَّر وقدَّر منطلقاً من الثوابت الإسلامية ومن قيم المجتمع وعاداته وتقاليده، فوثب بالبلاد وثبة هائلة في مختلف المجالات، حتى غدت قطر مضرب المثل في قدرة الإنسان العربي على صُنع المعجزات إذا أتيحت له الفرص وفُتِّحت أمامه الأبواب. وخلال أيام وفي الثامن عشر من ديسمبر المقبل تحديداً تحتفل الدولة القطرية الشابة الفتية بيومها الوطني، وهي ترفل في ثوب العزة والمجد والفخار، متألقة متأنقة تقول للدنيا بملء فيها: إن قيمة الدول ليست بحجمها، ولا بعدد سكانها، ولا بموقعها الجغرافي، وإنما بمدى تأثيرها فيمن حولها وفيما حولها، وبمدى قدرتها على القيادة الواعية واستثمار قوتها الناعمة في الإسهام الفاعل والسعي الجاد لإنهاء المشكلات الإقليمية والدولية العالقة التي قد تعجز عن خوض غمارها دول أكثر أموالاً وأعز نفراً. وليس أدل على ذلك من الدور القطري البارز الذي لعبته الدوحة في المسألة الفلسطينية، ووساطتها المؤثرة بين «حماس» والكيان الصهيوني المحتل من أجل وقف إطلاق النار، وتمكين فرق الإغاثة من القيام بواجباتها في قطاع غزة، ووضع حد للمذابح اليومية التي تعرض لها الشيوخ والنساء والولدان، وراح ضحيتها آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الجرحى والمصابين والمشردين. إن قطر عندما قامت بهذا الدور لم تكن تابعة ولا مأمورة، وإنما كانت قائداً حكيماً ووسيطاً أميناً يريد للجراح أن تندمل، ويريد للحرب أن تنتهي، ويصبو إلى حقن الدماء، ويتطلع كأشقائه في سائر الدول العربية إلى إنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي من خلال إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً لقرارات الشرعية الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة على مدار السنين. ومن المعروف أن الدور القطري المؤثر لم يعد مقصوراً على المنطقة الخليجية أو العربية، وإنما تخطاه بكثير، فصوت الدوحة أصبح مسموعاً حول العالم لأنها سلكت الطريق الصحيح، وآمنت بأن الطريق إلى العالمية يبدأ من بناء الداخل، فراحت تستثمر في الإنسان القطري، ووضعته على رأس سلم أولوياتها، ولم تهمل البحث عن النهضة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية، وبقية المجالات. وبالفعل نجحت قطر - كلّ النجاح - فيما خططت له، وسعت إليه، وحرصت عليه، ففي المجال السياسي حدِّث ولا حرج إذ أصبحت الدوحة تعمل كتفاً بكتف ورأساً برأس مع العواصم الكبرى في المنطقة والعالم، كما كان لها إسهام واضح في معالجة القضايا الدولية، والسعي الجاد لإحلال الأمن والاستقرار في المناطق التي تتنازعها المشكلات والأحداث، وتظهر فيها الإحن والخلافات. وإذا عرجنا إلى الناحية الاقتصادية، فيكفي أن نشير إلى أن حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني استطاع أن ينتقل بالاقتصاد القطري إلى مستوى متقدم، حيث يواصل ذلك القطاع قفزاته الهائلة، في الوقت الذي يعاني فيه العالم من تراجع في الأداء وارتفاع كبير في معدلات التضخم، كما يشهد الخبراء بالمكانة التي استطاعت قطر أن تحتلها في مجال الطاقة، خاصة فيما يتعلق بالغاز المسال، حتى غدت على رأس مصدريه، مستفيدةً من زيادة الطلب مع تحول العالم من الاعتماد على النفط والفحم إلى الطاقة النظيفة. وإذا تركنا السياسة والاقتصاد جانباً والتفتنا إلى الداخل القطري، فسوف يلمس كل متابع استمرار عمليات التنمية الشاملة في مختلف أرجاء الدولة، استكمالاً لبناء الهياكل الدستورية، وتعزيزاً للمشاركة الشعبية في صُنع القرار من خلال مجلس الشورى الذي يمارس مهامه بطريقة ديمقراطية تستمد جذورها وأصولها من العقيدة والتاريخ، ثم من العادات والتقاليد التي ارتضاها الآباء والأجداد، وتربى عليها الأبناء والأحفاد. وعن المجال الرياضي قل ما تشاء، فقد شهد العالم بأسره أن مونديال 2022 الذي نظمته قطر فاق كل ما كان قبله من جهة الاستعداد والتنظيم والبث والاستضافة والسلوك الجماهيري الذي صبغته الدوحة بصبغتها، فجاء على أعلى مستوى من الالتزام والروح الرياضية التي لا تفت في عضدها الهزيمة، ولا يؤدي إلى فقدها فوز أو انتصار. لقد عكست قطر خلال فعاليات كأس العالم هويتها الخاصة، وأظهرت الهوية العربية والثقافة الإسلامية اللتين أذهلتا العالم، وكانتا مثار إعجابه ودهشته، وجديرة بمديحه وثنائه على العرب والمسلمين. الحديث عن قطر، وعن نهضة قطر وإعجاز القطريين لا يمكن أن تكفيه مقالة أو اثنتان، ولا كتاب أو كتابان، فالأمر يحتاج إلى دراسات ودراسات لأن ما حدث في دوحة الخير في بضع سنين فوق التصور وفوق الخيال في كل مجال وفي كل ميدان. تحية إلى قطر الشقيقة أميراً شاباً ذكياً فطناً يقود شعبه إلى الرفعة والسؤدد والمجد. وتحية إلى أشقائنا في قطر الذين جعلوا من بلدهم أيقونة ومثالاً يحتذي به الباحثون عن التقدم والتطور والمستقبل الذي يجب أن يكون خيراً من الحاضر. حفظ الله قطر الشقيقة قيادة وشعباً من كل شر ومكروه، متمنين لها المزيد من التقدم والازدهار في ظل القيادة الشابة الحكيمة.