16 سبتمبر 2025
تسجيللازلت أحتفظ في مكتبتي بطبعات قديمة وقديمة جدا من الكتب ذات عناوين مختلفة إضافة إلى العديد من المجلات القديمة جدا , بعض تواريخ الإصدار لهذه المطبوعات تعود إلى سنوات طويلة قبل ولادتي حتى .. لكنها لاتزال تحتفظ بشكلها الأنيق البسيط وبألوانها الهادئة وأوراقها المصفرة كأوراق الخريف التي تصفر وتجف وتتساقط لكن هذه الأوراق لم تتساقط بل ظلت مع مرور الأعوام مشرقة بحروف من نور وأفكار مضيئة وكأنها كتبت لتكون لكل زمان ومكان حيث إني أعود إليها دوما وأغرق في صفحاتها وأشعر بالأسف حين أقارنها بالمطبوعات الحالية التي أصبحت معظمها هشة تافهة لا تحمل أي قيمة فنية أو أدبية فهي أصبحت مجرد ديكور يهتمون فقط بطريقة إخراج الكتاب واختيار صورة للغلاف دون أي اهتمام بالمضمون إلى درجة أن الكتاب في زماننا هذا أصبح شيئا آنيا نقرؤه في نفس اللحظة ونتركه وربما نرميه وقد لانقرؤه حتى وأعترف إنني كلما قررت أن أرتب مكتبتي أو أقدم على جرد للكتب لأستغني عن بعضها أجد نفسي لا شعوريا أستغني عن الكتب الجديدة لأنني أعرف بأنها لن تفيدني بشيء ولم أتذكر يوما أنني استغنيت عن أحد الكتب القديمة والسؤال المطروح لماذا تفقد الكتب قيمتها الأدبية يوما بعد يوم؟ من المسؤول عن ذلك هل هو الكاتب نفسه أم الناشر؟ قال أحمد بن الحسين الملقب بالمتنبي قبل قرون "وخير جليس في الزمان كتاب" وفي زمنه كان الكتاب كتابا وكان الأديب أديبا والكاتب كاتبا حيث ساد الأدباء والمثقفون العالم في كل شيء، وامتدت إمبراطورية الثقافة العربية من إسبانيا غربا، إلى سور الصين شرقا، ولما فقد الكاتب إحساسه بالكلمة، حاصر نفسه واسمه في أشباه كتب, صحيح أن لكل كتاب عنوانه وقضيته لكنهم بالإجماع خرجوا من عالم الفكر الجميل وعالم الكلمة المسؤولة والصانعة للعقول والأفكار فلا كتاب ولا كاتب إلا من رحم ربي، ولم يقتصر ذلك على الكتب فقط بل تعدته إلى كل مناحي الحياة، فعندما اعتبر المتنبي الكتاب خير جليس، كان الكتاب في زمنه سيد الموقف لما يحويه من علم وأدب، وتقديرا من ذلك الجيل للكتاب، فقد خطّوه على ورق يليق بعظمة الكتاب ودوره، بل إنهم جمّلوا أوراقه وغلفوها بالذهب، وهذا ما نشاهده في المكتبات والمتاحف التي تحتوي كتبا من ذلك العصر، ومن هنا جاءت حكمة المتنبي، فالكتاب كنز المعرفة وغذاء العقل، وفي صحبته راحة للنفس، أخبروني أي كتاب من كتب هذا العصر يستحق أن يعرض في المتاحف بعد سنوات من إصداره طبعا ليس في عصرنا هذا حيث الكتاب بلا قيمة ولا مضمون ولا شيء وأغلب الكتب حتى أشكالها غير مريحة ناهيك عن المضمون والمحتوى. للأسف هناك عبثية منفرة في المونتاج، وفي لوحة الغلاف، وفي الطباعة، وفي شكل الورق والصفحات، بحيث إن صحبة الكتاب أصبحت عبئا، ولو بُعث المتنبي نفسه حيّا هذه الأيام لعاد إلى قبره منتحرا لسوء صناعة الكتب التي يحب صحبتها. وما الفرق بين العناية بصناعة الكتاب وإتقانها، وبين تقبيح الكتاب والتنفير منه إلا قليل من الانتباه، والقليل من الإحساس والتعايش مع الكلمة وترابط الأفكار والقيمة الأدبية والفنية في آن واحد .... بالرغم من كل ما ذكرته إلا أن هناك القليل من الكتاب والأدباء الذين لا زالوا يهتمون بما يصدرونه من كتب وكتابات إنهم عقول ذلك الزمن الجميل الذي مضى إلى غير رجعة تلك القناديل المضيئة المعلقة وسط الريح ووسط عواصف هذا الزمن,, أتساءل بخوف ترى كم من الزمن يستطيع هؤلاء الصمود والبقاء على نفس القيم والمبادئ دون الانهيار أمام فوضى الأدب والإصدارات.