28 سبتمبر 2025
تسجيلإن المتأمل لحقائق المشهد الفلسطيني في الصراع مع الكيان الصهيوني والذي كانت حرب غزة هاشم مسرحا له منذ أحداث عام ٢٠٠٨ - ٢٠٠٩ بعملية إسرائيل المسماة حينها الرصاص المصبوب ثم العملية الأخيرة في هذا الشهر المدعوة "السحاب المعومد بالنار" وما جرى في المعركتين من نزاع ميداني انتهى - خصوصا في الحلبة الأخيرة إلى ظهور مكسو بالهيبة التي أفرزها بناء الذات في غزة واستطاعت أن تصل بقوتها وصواريخها إلى قلب تل أبيب وعسقلان والعمق الإسرائيلي المزعوم ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يسرع إلى أمريكا وكذلك الشركاء والحلفاء طالبا التهدئة مع حماس، كما أكد ذلك المراقبون المحايدون وصرح بذلك خالد مشعل بكل وضوح، إن هذا يدل دلالة أسطع من الشمس أن الكيان الصهيوني لا يمكنه أن يفهم إلا لغة القوة والقوة فقط وإن من يسبر غور القضية الفلسطينية منذ بدايتها يشعر ويحس بضرورة هذا الحل الذي يجعل الإسرائيليين يغيرون من مواقفهم بناء على الغلبة الميدانية ضدهم والباحث المنصف ليس بحاجة إلى أبجدية هذه المعرفة إذ تثبت كل حقيقة على مدار الصراع ذلك. ولذا كان العلامة المجاهد الشيخ محمد الحامد الحموي يقول: إن عقدتنا مع اليهود عقدة لا تحلها إلا القوة وقد ذهب إلى ذلك رئيس الوزراء السوري الأسبق فارس الخوري مفندا أن يأتي الصلح مع اليهود بأي نتيجة كما ذكر العلامة أبو الحسن الندوي في كتابه قضية فلسطين. فالرد المطلوب مع هؤلاء هو المناجزة الفعلية وليس إلا. ولعلنا إذا عدنا إلى بدايات القضية نرى ذلك فقد ذكر اللواء محمود شيت خطاب في كتابه " طريق النصر في معرفة الثأر" في بعض أحداث عام ١٩٤٨م أن دورية يهودية هاجمت ليلا قرية جلبون المشرفة على غور بيسان ضمن قطاع جنين فأسرت ستة رجال وامرأتين وكانتا قد استنجدتا بالله تعالى وبالنبي صلى الله عليه وسلم على حين كانت الدورية تجرانهما من شعريهما وكانت مفرزة من الجيش العراقي مرابطة في المنطقة فجاءت الفكرة المخلصة من ضابط منه تتلخص في اصطحاب مدفع واحد عيار ٣/٧ جبلي مع ست عشرة قنبلة وقام الضابط بقصف إحدى مستعمرات اليهود في بيسان للانتقام منهم وإجبارهم على إطلاق سراح الأسرى من أهل جلبون وبعد غروب الشمس تم إطلاق المدفع على مستعمرة (تل العمال) فقصفها بما لديه من القنابل فأطفئت أنوار المستعمرة حتى غدت المنطقة في ظلام دامس. وفي عصر اليوم التالي ما كان من اليهود إلا أن فكوا أسر الرجال الستة والمرأتين وعادوا إلى أهليهم في جلبون وارتفعت المعنويات في القطاع وكان من نتيجة ذلك أن اليهود لم يعودوا يجرأون على مهاجمة القرى العربية هذه. وتلك هي اللغة التي تفهمها إسرائيل فاليهود جبناء ولكنهم مقتدرون إذا كنا أضعف منهم وإن أعددنا وملكنا القوة فإنهم يذوبون ويبذلون كل الجهد لحفظ حياتهم ومالهم [ولتجدنهم أحرص الناس على حياة ] البقرة ٩٦.وإن هذه المعادلة يجب أن يحفظها السياسيون المحنكون وهي أنه لن يكون لهم ولا لسياساتهم قيمة ما لم تكن لهم قوة ضاربة تؤيدهم وقديما قالوا: الحق للسيف والعاجز يحتاج إلى شهود، ويوم أن أذعن السياسيون لمن هم وراء إسرائيل من دول وقبلوا الهدنة الأولى ثم الثانية مع بدايات الصراع خسروا كل شيء وكانت فرصة لليهود أن يتوسعوا في المستوطنات ويغتنموا الوقت لتمرير الاحتلال أمام قوم فقدوا إرادة الاستمرار في القتال وأصبحت جرائم إسرائيل محترمة بقوة الاستمرار وغفلة أهل الحق عن حقهم، وهكذا يفعل المحتل إذا لم يكن في وجهه من يصده فالديناصور الإسرائيلي سيبقى بسرطانه الخبيث يفعل في جسم الأمة وليس الجسم الفلسطيني والغزاوي فقط خصوصا أن الاستعمار العالمي والصهيونية العالمية بما يملكونه من مال وإعلام ولوبي كالإخطبوط يدعمون هذا المحتل، هذا من جهة أما من جهة أخرى فإنه يجب ألا ننسى أن المحتل ينصب الحكومات المستبدة على شعوبها لمعونته وضمان مصالحه وكلاهما لا يرتويان من ضحاياهما فالمحتل يستفيد من المستبد الذي لا هم له إلا السلطة ونهب الشعب والمستبد يستفيد من لغز وجود المحتل كي يبرر قمعه للشعب بحجة مواجهة المحتل ويشيع أنه إنما يفعل ذلك باسم المقاومة والممانعة كما هو الحال في الخطاب السوري منذ عهد حافظ الأسد إلى بشار، وقد لا يكون عبثا أن يكون التزامن بين اشتعال الحرب الجديدة في غزة مع دوام اشتعال الشمال السوري. وقد يفيدنا هذا في التحليل أن مصير المشرق العربي إنما يتحدد في القوس الذي ترسمه بلاد الشام لرفع الاحتلال من وجه ودفع الاستبداد من وجه آخر إذ إنهما متلازمان في الهدف وقد يكون الثاني أخطر من الأول لالتباس مشهده على الكثير من الجماهير، والدليل أن كليهما بواقع فائض القوة الموجهة عندهما في الكيان الصهيوني من جانب والكيان الأسدي من جانب آخر يعملان في قهر الناس واستذلالهم وإن كان بحسب السنن الكونية لن يستطيعا أن يحققا نتائج مهمة أمام شعوب قررت أن تقاومهما حتى النصر، هنا يجب ألا نفرق بين وحش تل أبيب ووحش دمشق الذي هو أخطر من الأول. وقد حدثنا المجاهد رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في فلسطين لما حضر مؤتمر الأمة الإسلامية في اسطنبول أن أحد العلماء حمله هذه الأمانة من رام الله كي يقولها في المؤتمر أمام الجمهور وهي قوله: الحمد لله الذي ابتلانا باليهود المجرمين ولم يبتلينا ببشار الأسد الأجرم منهم. ولعل من جملة الأدلة على ما نقول ما جاء في تقرير رويترز للأنباء في ٢٠- ٧ - ٢٠١٢ حيث نقل ديفيد رود مؤكداً تعاون أمريكا وإسرائيل مع بشار الأسد لقمع الثورة مفيدا أن ثمة خطرا على المصالح الأمريكية ولعل رأسها شأن الكيان الصهيوني والخوف من المارد الإسلامي الذي سوف يهدد ما رسموه منذ سنين، وفي هذا السياق أكد الدكتور صائب عريقات في كتابه " التغييرات في العالم العربي وآثارها على أمريكا وإسرائيل" طبع وزارة الخارجية في قطر - أن التغييرات الموجودة في العالم العربي تحتم على أمريكا الاعتراف بأن إسرائيل مصدر قوة للحفاظ على مصالحها وليس عبئا عليها كما أن إسرائيل لا تغفل أن علاقاتها مع جيرانها إنما تعتمد كليا على السياسات الداخلية للدول العربية كما أثبت تاريخ الأحداث. وهي تعلم أن الحاكم المستبد يصب في مصلحتها لمصلحة بقائه مهما كلف الثمن وهكذا يتقاسمان الأدوار في ظل فقدان الوطنية المخلصة لحاكم يقتل الشعب السوري. ولعل هيلاري كلينتون فهمت جيدا ذلك عندما أكدت أن حماية أمن إسرائيل أمر صلب كالصخر.ونحن نؤكد أن القوة بمفهومها العام حتى بالنضال اللاعنفي تؤدي إلى كسر ضلع المحتل والمستبد أحيانا وقد حدث هذا في عدة من البلدان كما هو معروف ولكن الأمر بالنسبة إلى إسرائيل يبدو أنه لن يمكن لثوابت وسياسات باتت معروفة عند المحتل وكذلك لا يصلح الأمر بالنسبة إلى سورية الحارس الأمين لإسرائيل والمستبدة منذ أربعين عاما بمنطق الأسد على الشعب والنعامة مع اليهود لاسيما أنه أيضا ثمة مصالح إقليمية وعالمية تصب في هذا الهدف. وبينما لا يرى أوباما تناقضا في خطابه الأخير بين مصالح أمريكا وتطلعات الشعوب وأمالها في الديمقراطية مع الحذر أن هذا التصور قد لا يصمد لأن الحكام العرب لا يريدون ذلك فإن نتنياهو يؤكد أنه يجب أن تتوقف عملية السلام مع الفلسطينيين انتظارا لنتائج الربيع العربي الذي هو في قناعته ضد الحرية والليبرالية وإسرائيل وأن حركاته إنما جاءت باتجاه الإسلام السياسي المعادي لإسرائيل مؤكداً أن الذي لا يفهم الأمر هكذا إنما هو كمن يدفن رأسه في الرمال.أقول وهذا ما يفسر سعي إسرائيل لعدم تغيير الأنظمة الاستبدادية إذ صرح نتنياهو أن ذهاب حسني مبارك خسارة كبيرة لإسرائيل وأن إبقاء بشار الأسد إنما هو مصلحة إسرائيلية إستراتيجية، ولكننا نقول إن تحرير البلاد العربية من المستبد إنما هو الطريق الأوحد لتحرير فلسطين من المحتل مع تأكيدنا أن كليهما وجهان لعملة واحدة وشعارهما ترجيح المصالح على المبادئ ولذا فلابد من مجاهدتهما دون كلل أو ملل على الدوام حتى تتحقق أهداف الأمة العربية والإسلامية في الحق والحرية والمساواة والكرامة وحتى لا تذهب دماء الشهداء أدراج الرياح لأنها هي وحدها ثمن النصر المنشود في كل حال.