18 سبتمبر 2025

تسجيل

الصادق المهدي.. رجل الفرص المهدرة

26 نوفمبر 2011

يعتبر الصادق المهدي زعيم حزب الأمة القومي وآخر رئيس وزراء في السودان حتى العام 1989م، صاحب أكبر فرص سياسية مهدرة.. يبلغ الصادق المهدي من العمر حوالي خمسة وسبعين عاما قضى منها أكثر من (45) عاما في العمل السياسي، فللرجل مسيرة حافلة من العمل السياسي جديرة بالوقوف عندها وقراءتها بتأن.. تسليط الضوء على مواقف الرجل السياسية يأتي بعد تأكد مشاركة الحزب الاتحادي الديمقراطي في حكومة الرئيس عمر البشير وهو حزب منافس لحزب الأمة ولهما مواقف متضادة عبر الحقب السياسية التي مر بها السودان.. ويسمى الحزبان بالحزبين التقليديين، وكلاهما يعود لطائفة دينية، فحزب الأمة مرجعيته طائفة الأنصار، أما الحزب الاتحادي فمرجعيته طائفة الختمية.. وشغل المهدي منصب رئيس الوزراء لفترة وجيزة بين عامي (1966م و1967م) لكنه اعتقل وأُرسل إلى المنفى بعد انقلاب جعفر نميري في العام (1969م). كانت فترة ما عرفت بالديمقراطية الثالثة (1986م – 1989م) امتحانا لقدراته حيث ترأس خلالها كل الحكومات التي كانت تنفض قبل أن يكتمل تشكيلها حيث الأمر كان أشبه بمسرحية هزلية.. فقد منحت الانتخابات العامة التي جرت في العام 1986 حزب الأمة حضوراً قوياً في الجمعية الوطنية.. ما يؤخذ على الصادق المهدي في تلك الفترة أنه قام بإلغاء اتفاقية التكامل المشترك مع مصر والتكامل مع ليبيا طمعا في التوصل لاتفاق مع زعيم التمرد في الجنوب حينها العقيد جون قرنق زعيم الحركة الشعبية.. وقيل إن الصادق المهدي كذلك سرعان ما ألحق السودان الذي طالما تمتع بميزة الاستقلالية والوسطية في علاقاته الخارجية بأحد المحاور الإقليمية فتوترت العلاقة مع العراق ومصر وربما السعودية ولم يستطع رغم (ليبراليته) أن يقيم علاقات جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية. الصادق المهدي الذي يستحوذ على منصبي إمامة الأنصار ورئيس الحزب تنازع من قبل مع عمه الإمام الهادي المهدي رحمه الله متمسكا بضرورة الفصل بين الإمامة وبين المناصب السياسية، ولكنه اليوم يجمع بين الإمامة والمنصب السياسي وينازع عمه الإمام أحمد المهدي الذي يكتفي بالإمامة ولا يريد منصبا سياسيا لكن ابن أخيه انتزع منه الموقعين معا.. ويأخذ الأنصار على الصادق المهدي أن عقد الحزب قد انفرط وانقسم لعدة أحزاب، بينما يسيطر أبناؤه وبناته وأصهاره على مفاصل الحزب.. يقول بعض أعضاء حزب الأمة المشفقين إن حزبهم يحتاج اليوم بعد الخراب الذي ضربه إلى قيادة تعيد له هيبته ووقاره وفوق ذلك هويته الخالية من شوائب العلمانية و(الحداثة) المغلفة بالأفكار الغربية. رغم أن الصادق المهدي ظل يعلن بشكل مستمر عن ما يسميه بالجهاد المدني أي تغيير الحكم بالوسائل السلمية إلا أن للرجل من المواقف ما يناقض ذلك.. شكّل الصادق المهدي الجبهة الديمقراطية الوطنية وقام بمحاولة انقلاب فاشلة ضد نميري في العام (1976م) بمساعدة معمر القذافي.. جيش الأمة كان الذراع المسلح لحزب الأمة تورط بتعليمات من زعيم الحزب مباشرة في تفجير الخط الناقل للبترول بالقرب من مدينة عطبرة في أواخر التسعينات من القرن الماضي. لكن حزب الأمة استأنف نشاطه فيما بعد من داخل البلاد في العام (1999م)، وأيّد في وقت لاحق اتفاق السلام الشامل مع الجنوب.. ترشح الصادق لمنصب الرئاسة في آخر انتخابات في أبريل (2010م)، وحصل على (0.96%) من الأصوات.. لكن الرجل غضب لهذه النتيجة وأعلن أنه سيعد تقريرا عن أداء المراقبين الدوليين يبين أهليتهم للمراقبة.. غضب وانفعال على المراقبين لأنهم تحدثوا عن (مقبولية) هذه الانتخابات، وأنها لم تتعرض للتزوير وأن ما اعتراها من شوائب كانت أخطاءً فنية ولوجستية وارد حدوثها في أي انتخابات خاصة في بلد مثل السودان يزخر بمساحة شاسعة، فيما وصل عدد مراكز التصويت (13) ألف مركز فضلا عن أنها انتخابات متعددة في آن واحد، فقد كانت انتخابات لرئاسة الجمهورية، وانتخابات للبرلمان الاتحادي، وأخرى للبرلمانات الولائية، وولات الولايات.. يشار إلى أنه أعلن انسحابه واعتبر انسحابا غير قانوني لأن فترة الانسحاب القانوني قد انقضت.. وجاء تبدل مواقف الرجل من الانتخابات محيرا فقد تحدث عن الانتخابات وقال إنها تستحق التنافس فيها ووصفها بأنها أفضل من كثير من التجارب في دول عربية وإفريقية. لاشك أن الصادق المهدي سياسي مخضرم ويتمتع بكثير من الصلات الدولية والإقليمية، لكن كل تلك الخبرات السياسية المتراكمة لم تمكن الرجل من استغلال الفرص التي أتيحت له كما ظل مواجها بتحدي ترتيب حزبه من الداخل والقضاء على حالة التشظي الممسكة بتلابيبه.