18 سبتمبر 2025
تسجيلمن المشكلات التي تتعرض لها الثقافة، بأنها هي المشكلة نفسها! ما واجهته الثقافة من خلال الظروف العالمية أثبتت أولية الإقصاء والتضييق على المجال الثقافي بشكل عام. الجانب الذي يتنفس، وهذا ما أجده في الثقافة، النفس، الحياة والوجدان. بل هو الوهم الذي تحتاجه كي تبتعد قليلاً وتتجرد من واقع مغمور بالضغوط. كما إن الثقافة تعتبر كالمفر الذي يخفف حمل الازمات ويبرز النور ولو كان في أواخر الطريق. بل هو الاهتمام الذي يحافظ على ملكة إنسانية ويبرز قدرات معرفية تراكمية. ولكن، يبقى السؤال الأهم هنا عن سبب الالتفاف نحو الثقافة بشكل عام لعملية الاستبعاد والتنازل عن غيرها من المجالات. يظل هذا السؤال بالنسبة لي أزمة وأحاول أن أجد له إجابات مقنعة. لذلك، قررت أن أحلل الإجابة بمنظوري الموجز هنا، لربما أقنع صانعي القرار ومن هم حولي من المهتمين عبر المنظور التحليلي عن تلك الأبعاد التي ترتقي من خلالها الثقافة المعاصرة بدلاً من تغييبها واستثنائها. أولاً، كي نكون واقعيين أكثر، لابد وأن ننوه عن جذور التاريخ حول رؤية المثقف لنفسه ومدى ارتباطه بالمجتمع وعلاقته بالسلطة أيضاً. ففي عهد الدولة العثمانية، كان الترابط بين المثقف والسلطة يعتبر إخلاصاً أكثر مما هو عملاً. إذ تتحد إطار الأيديولوجيات بين الطرفين على ان الوحدة مؤسسية تجمع ما بين العلماء والسلطة سوياً على أساس الإسلام. وبشكل موجز أكثر، فإن الدولة العثمانية كانت تستمد ثقافتها العثمانية في آلية الحكم من خلال الشرع الإسلامي والقانون العثماني لتسيير شؤون الحياة الإدارية والحياتية. أما بالنسبة للمثقف ككيان مواز للسلطة، فهو يعتبر نفسه مخلصا لله عزوجل، والإخلاص في الدولة العثمانية كان لا يتطلب عائداً مادياً للمثقفين، إذ كان ولاءً لأصحاب السلطة، باعتبار أن ما يقومون به أعمال يؤدونها لوجه الله ويؤجرون عليها في الآخرة، ويظل عمل المثقف أصيلاً أي من حيث إخلاصه للتعليم وتمكينه في بناء ثقافته الإسلامية بمنظومتي العلم والأخلاق باعتبارهما تحصيلاً معرفياً وتكميلاً لعلوم الأنبياء والمرسلين. ومن هذا المنطلق ظلت الثقافة في الدولة العثمانية في سبيل الله، يعتز بها صاحبها بعلمها ولغاتها ورجاحة المنطق فيها، بل وتطورت من خلالها المواهب والملكات الإنسانية، عبر مجالس أدب المثقفين على سبيل المثال. هذا موجز لتاريخ حدد مساره الثقافة في بناء علاقته مع المثقفين. ولو كان هذا المبدأ في تلك الحقبة أصيلاً بحسب رأي العلماء عن الدولة العثمانية بعلاقتها بين السلطة والمثقفين، إلا إننا ندرك تماماً أن المتغيرات تظل العوامل التي تؤثر على عدة أمور، خاصة في أزمنة متغيرة وعصور منفتحة على اتصالات مختلفة وثقافات متنوعة، واعتقد أن ظل العامل الثابت فيما يتعلق بالثقافة بأنها إخلاص لا مادي، ولربما انجرف المسار من هذا الإخلاص إلى الاستغلالية لمكانة المثقف مقارنة في زمن الدولة العثمانية من كونها بلاطاً سلطوياً ورفعة ثقافية، إلى تحولها للمنظور الإداري حيث ينظر للا-مادية على انها غير مهمة. وشتان بين رؤية دولة عثمانية لمكانة المثقف وإخلاصه الديني مقارنة بمكانة المثقف وضياعه الدنيوي المعاصر من خلال النظام الإداري. ودعنا نصر على أن الثقافة ليست استهلاكاً رخيصاً حتى لو تدهورت عبر الزمان. وما يجب الإجماع عليه هو الوجدان الفعلي للمثقف وصراعه للتعبير عن ذلك الوجدان حتى في ظل أزمة تؤثر إدارياً عليه وتقصيه هو أولاً. ولن ألوم أو أحمل العبء على مبادئ قيمية جملت ورفعت من مكانة المثقف اللا-مادية في أزمنة سابقة. إنما أحلل إمكانيات المثقف نفسه وإمكانياته في ان يظل على نفس الرفعة والمكانة التي ارتقى من خلالها في السابق، هل استطاع أن يحافظ على هذه المكانة؟ أم ان غلبت عليه الظروف المعاصرة والأولويات الأخرى التي ضيقت عليه رفعته في زمن أبعاده التنموية أصبحت متشعبة؟!. أعتقد أن المثقف يستمد قوته من مدى ارتباطه بالسلطة على مر الأزمان، أعتقد بأن هذا أفضل تحليل أستطيع أن أقنع فيه نفسي كإجابة على سؤال كبير لا يكفيه تحليل موجز وسبب واحد من خلال عمود صحفي. ولكن، مع ظهور الدولة تأتي الجماعات وترسخ الإيديولوجيات، ليس بالضرورة أن تكون راديكالية، إنما تظل سمة الوحدة بين السلطة والمثقف هي البقاء والاستمرارية والاستدامة لرؤية مثقف معاصر، والأهم بناء وضمان الرابطة بين الدولة والمجتمع لأهداف مشتركة. هل ستكون رؤية المثقف في هذه الحال كما نأملها بتلك الصفات المثالية وتحرره الواسع الفكري والوجداني؟ ليس بالضرورة! إنما يظل المثقف محسوباً على دائرته التي يمشي على حدودها، إما أن يكون محظوظاً ليستمر في الدائرة الإدارية، أو يقصى ويهمل في حال أصبح ضدها أو لا ينتمي لها!. هذه محاولة تحليلية على التغييرات التي تطرأ على الأنظمة على المثقف من كونه مثقفاً ديناً إلى تحوله إلى مثقفاً دنيوياً. ومن الصعب الاختيار بين الاثنين كأفضلية في ظل أزمنة متغيرة!. [email protected]