18 سبتمبر 2025
تسجيلقطر تلعب دورًا أكبر من حجمها. قطر تتجاوز الدور المطلوب منها في المنطقة.قطر تغرد خارج السرب .عبارات متنوعة نسمعها تتردد كثيرا، وعلى وجه الخصوص حين ينصب الحديث على نقد سياسات قطر الخارجية، لاسيما من الدول ذات السياسات والتوجهات المتضادة مع السياسات الخارجية القطرية. ودول الحصار الأربع، أو الرباعي المتأزم، هم أكثر المتداولين لتلكم الدعايات المضللة.. فما مدى وجاهة وصحة تلكم العبارات؟ وإن افترضنا صحة إحداها أو كلها، فلماذا إذن تلعب قطر دورا أو تمارس سياسة أكبر من حجمها؟سؤال يحتاج لبعض التفاصيل، فتعالوا بنا نفهم الحاصل..النظرة للدول والكيانات السياسية في العالم اختلفت عما كانت عليها قبل قرن أو أكثر من الزمان. المساحة الجغرافية أو الحجم الجغرافي، لم يعد معيارا أو شرطا أساسيا وحيدا لنيل لقب دولة، والحصول على اعتراف العالم بها. شاهد خارطة العالم السياسية اليوم وتأمل عدد الدول صغيرة المساحة. ستجد أن عددها أكبر من الدول واسعة المساحة. وتجد كذلك الدولة الصغيرة وقد صار لها صوتها الخاص في أي محفل عالمي، شأنها شأن الكبيرة، بل ربما وجدت دولا لا تكاد تراها على الخارطة، تؤثر على جوارها من الدول الكبيرة، وربما التأثير أحيانا يتمدد ليصل إلى أخريات أبعد. في عالم اليوم، تجد أن غالبية أعضاء الكيانات والمنظمات الدولية الكبيرة، دول صغيرة. انظر إلى حلف الناتو، الاتحاد الأوروبي، منظمة أوبك وغيرها من كيانات. لاحظ حجم بلجيكا الصغير في الاتحاد الأوروبي، ولاحظ مع ذلك الحجم الجغرافي الضئيل لها، عمق تأثيرها الواضح في سياسات ذلكم الاتحاد القوي. انظر الى دور الكويت وقطر مثلا في منظمة أوبك، وبالمثل لاحظ أهمية أصوات دول ميكروسكوبية بالأمم المتحدة في مشروعات القرارات وما شابهها لمجلس الأمن أو مؤسسات هيئة الأمم المختلفة ولجانها المتنوعة.. والأمثلة أكثر من أن نحصرها في ها هنا مساحة.منطقة الخليج تأتي ضمن هذا السياق. دول المجلس باستثناء السعودية وبعض الشيء عمان، تعتبر ضمن الدول الصغيرة بالعالم. تقع ضمن محيط عربي كبير أو شرق أوسطي أكبر، لكنها مع ذلك دول مؤثرة على سياسات وقرارات كيان الجامعة العربية مثلاً أو منظمة التعاون الإسلامي. نخلص مما سبق في هذه المقدمة الطويلة نوعا ما، إلى أن تأثير الدول اليوم ما عاد يقاس بأحجامها، لكن بأفعالها وسياساتها والإستراتيجيات التي تقوم عليها علاقاتها بالآخرين. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم العبارات التي بدأنا بها المقال، والتي صارت أقرب الى اتهامات لقطر من قبل المختلفين معها في الرؤى والسياسات. إن كانت قطر تلعب دورا أكبر من حجمها كما يروج له البعض، فالمسألة وفق هذا المفهوم الجديد لمعنى الدولة وتأثيراتها، ليست لعبًا بقدر ما هي قدرة ومهارة تتمتع بها قطر، لأجل تفعيل سياسة خارجية ناضجة، تسير وفق رؤية بعيدة واستراتيجية واضحة الملامح، تسعى من خلالها لتثبيت أركانها وتعزيز مصالحها ومكتسباتها، والتي إن فهمها البعض على عكس ذلك، فإنه لا يعني أن الخلل في قطر، بل لم لا يكون الخلل الفعلي في أولئك المنتقدين لهذه الرؤية القطرية، مهما كانت أحجامهم كبيرة؟ إنّ عالم اليوم، وإن تطور وارتقى في قوانينه ومعاملاته، فإنه لا يزال كما كان بالأمس السحيق. الكبير يتطلع دوما لابتلاع الصغير أو توجيهه بالصورة التي تحقق مصالحه أولا وأخيرا، وإن كان على حساب الصغير. نعم، على الرغم من وجود كيانات دولية ظهرت لحفظ الأمن والسلام وفرض القوانين ومتابعتها وتطبيقها، وعلى رغم التغييرات الحاصلة على المفاهيم والنظرات للدول، وأنها بأفعالها وليس بأحجامها، فإنه رغم ذلك كله، تجد أن نفوس وعقليات من بيدهم إدارات الدول ذات الحجم والقوة والبأس اليوم، لا تختلف عمن كانوا بالأمس يديرون الإمبراطوريات والممالك والعروش السابقة. طمع وجشع وحسد ورغبة في الامتلاك والاستحواذ والتوسع، وهذا ما جعل كل الدول الصغيرة في عالم اليوم، تنشط وتجتهد في وضع سياساتها وإستراتيجياتها بشكل يحفظ أمنها ووجودها من أطماع وتطلعات الكبار، هنا وهناك. منطقة الخليج منذ القدم ونظرا لأهميتها الجغرافية بالنسبة للتجارة الدولية، وقعت ضحية تنافس الدول الغربية أو المستعمرين الأوروبيين، حتى إذا ما ظهر النفط زاد التنافس عليها بصور شتى.. ومع الأيام بدأت تتفاوت الدول الخليجية في أهميتها بالنسبة للقوى الدولية والإقليمية الباحثة أو اللاهثة نحو ثروات الخليج، وبدأت دول الخليج الصغيرة تحديدا تستشعر خطورة التهافت على خيراتها وثرواتها، سواء من الغريب أو حتى القريب !قطر وضمن هذه الظروف والمتغيرات، استشعرت خطر الابتلاع والهيمنة مبكرا، وإن لم يكن شرطا أن يكون كما كان قديما بالضم والاحتلال المباشر. فقد بدأ التهديد فعليا مع قيام الثورة الإيرانية عام 79 وخطر تصدير الثورة الذي توقف مؤقتا مع اندلاع حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران، وتأثيرها البالغ على دول المنطقة. وما توقفت حتى استيقظ الخليج والعالم فجر الثاني من أغسطس عام 90 على كارثة غزو العراق للكويت، وفيها كانت الإشارة واضحة جلية لكل دول الخليج الصغيرة، من أن التهديد الوجودي أمر مستمر وقائم، بل قابل للتكرار بصورة وأخرى، عاجلا أم آجلا.. فبدأت الدول الصغيرة بالتحرك يمنة ويسرة للتعامل مع تلك التهديدات، ومن ضمنها قطر.. فكيف فكر القطريون في تأمين البلد إستراتيجيًا؟ هذا هو محور حديثنا يوم الخميس القادم بإذن الله.