14 سبتمبر 2025
تسجيللقطة تتردد دائما في المكاتب، أو مع تجمعات العمل، نقول (فلان ده سوسة) وطبيعة السوس تنخر كل سليم ليصبح هالكا متهالكا لا يقوى على الصمود، كلنا رأينا السوس وقد نخر باباً أو كرسياً فأرداه أرضاً بعدما أفرغه من صلابته، وسوس المكاتب هو الآخر ينخر العلاقات فلا يتركها إلا وقد سلب عافيتها! و(السوسة) له برنامج عمل أوله التقرب من المسؤول بشتى صنوف الذل والخدمات حتى يكسب ثقته، ثم هو أيضا مهرج، فمن مهامه الترفيه عن المسؤول واضحاكه كأي (أراجوز) حتى لو كان ذلك على حساب أقرانه بتقليدهم، أو السخرية منهم، ثم هو منافق بامتياز يضحك في وجوه زملائه، يمطرهم بالمديح، والمودات، ومن خلف ظهورهم يخنجر، ومن صفاته أنه لا كرامة له فهو عادي يقبل الإهانة دون أن يهتز له عصب، ولا مروءة له فهو يكذب بصدق لافت، ولا أمان له فهو خائن حتى لمن يسميهم بأنهم أصدقاؤه، يعني (ميعرفش أبوه)، ومن صفات السوسة انه كله (أُذن) يتسمع بها العام، والخاص، طوال الدوام واُذنه (شغالة) مع زميله الذي يتحدث مع زوجته، يسمع ويخزن، ومع زميلته التي تتحدث لزوجها أو خطيبها، يسمع ويخزن، ومع الداخل والخارج يسمع ويخزن، وتظل عينه اللاقطة لكل شاردة وواردة، وأُذنه المستيقظة في حالة استنفار دائم للتسجيل والاضافة ثم يجمع الحصيلة ليصبها في أُذن السيد المسؤول عندما يلتقيه في مجلسه العامر، يجلس الأخ ويفرد مقتنياته ويبدأ في سرد تسجيلاته التي لا تخرج عن فلان تأخر عن الدوام، فلانة طلعت قبل انتهاء الدوام، فلان سَبَّك اليوم، فلان (اطنز عليك)، فلان يقول إنك فاشل وهو أحق بمكانك، فلان (شَكاك) بمكتب الوزير، فلان يقول إنك تأخذ اجازات ولا تُسجل عليك، فلان يقول إنك تعين أقاربك، (المكتب سوَّى فرح لما سافرت اجازة) فرحانين افتكوا منك، ومفيش مانع من سرد حصيلة الخصوميات التي التقطها في أخبار من نوع فلان تزوج، فلان طلَّق، فلان باع، فلان اشترى، فلان ورث، فلان يبني فيلا جديدة، فلان حرامي، فلان ما يشتغل طول الدوام فاتح الفيس بوك، فلانة اجازتها كثيرة، لا شيء جميل يصل إلى السيد المسؤول، كله أسود، كله سلبي، والويل لمن يغضب (السوسة) من الزملاء (نهاره مش فايت) وليستعد لقائمة مقالب ستصل لمسؤوله عنه كلها افتراءات، وأكاذيب، وأقاويل باطلة!!! أما أسوأ ما في الموضوع فهو افساد علاقة المسؤول بموظفيه جراء ما ينقله (السوسة) لأنه معدوم الأمانة، يغير الحقائق، ويقلب المعدول، ويشوه النظيف، ويلوث الطاهر، ويحقَّر عمل المجتهد، ويرفع من لا يستحق، ويزري بالمحترم، وقد يروج للفاشل فتهتز الموازين، وتضيع الحقوق، وتستعر النفوس بالسواد.مهم جدا أن ينتبه السادة المسئولون لسوس المكاتب لأنهم يضربون روح العمل في مقتل، ويفسدون العلاقات، ويشيعون جواً من عدم الارتياح في نفوس العاملين، وينزعون الألفة، والانسجام، والرغبة في التجديد، والابتكار، والعمل الأكمل، وهم أيضا يشيعون الاحباط وقد شاع عدم التقدير بفضل وشايات (السوسة) المجتهد! نعم أسوأ ما في الموضوع أن يكون (السوسة) هو همزة الوصل بين العاملين وأي مسؤول لينقل ما شاء، كيفما شاء، دون وازع من ضمير أو خلق، نكرَّر، السوس مدَّمر لذا وجبت محاربته تماما كما نحارب سوس الخشب الذي لا يترك أي قائم حتى يهدمه.* ينجح أي عمل يسوده روح الفريق، وقائد يسوسه بالعدل، والتقدير.* البعض يبني، والبعض يهدم، ولن يتم البناء إلاَّ بتوجيه، ولن يتم الهدم إلاَّ بغياب المراقبة.* بنهرة واحدة يعود (السوس) إلى الشقوق مخذولا.* ليت السادة المسئولين يقتنعون بمبدأ من قال لك قال عليك.* في آخر سفراتي للقاهرة قابلت (أيمن وهبي) جارنا، حكى لي، كنت أراقب في قاعة امتحانات آخر العام، فلاحظت شاباً قد امسك القلم بطريقة مختلفة عن المعتاد، تصورت أنه يعاني عجزا ويحتاج إلى مساعدة، سألته أنت معاق؟ قال لا أنا معتاد أن أمسك القلم هكذا، وعفوا وقعت عيني على اسمه الذي كتبه (فايز مورسي) قلت له (يا ابني انت كاتب اسمك غلط) رد..لأ صح، أعدت (بقولك غلط)، كرر لأ صح، ولكي أثبت له خطأه أحضرت له قائمة الأسماء التي وقع فيها على حضور الامتحان ودخول اللجنة، نظر إلى اسمه في القائمة ثم قال (كلامك صحيح، تصور مرسي ما فيهاش واو، فعلا أنا كنت كاتب اسم والدي غلط)!!! ملاحظة — الشاب من مخرجات المدارس الأجنبية — يعني في العربي سلامتك! المهم أن هذه الواقعة لفتت نظري لكارثة اللغة العربية التي يكتبها أولادنا كما ينطقونها، ولعل المتصفح للفيس بوك وما يكتب عليه من أخطاء مذهلة تشي بمستوى اللغة المتدني للنشء، وللخريجين، وحتى من يعمل في مناصب رفيعة!! الآن أفكر في أولادنا الذين يُعلّمون أولادهم في مدارس أجنبية، ثم يقعون في مأزق حقيقي عندما يكتشفون ان جل همهم فقط اكساب الأولاد مهارة اللغة الإنجليزية ثم تأكدوا أن الأولاد فعلا (بلابل) في هاي، وماي، وباي، وخيبة في العربي، وهم بالفعل لا يستطيعون كتابة كلمتين دون أخطاء مروعة! بجد المشكلة في غاية الصعوبة تحتاج بحثاً، وحلاً عاجلاً، وتعاوناً دؤوباً بين المدرسة والبيت وإلا سنعرض أولادنا لمحنة حقيقية ستمنعهم من مجرد اتمام تحصيلهم الدراسي لأنهم ببساطة يعانون رغم الوصول إلى الجامعة من الأمية!!.* طبقات فوق الهمس* حريصون على ادخال الأولاد مدارس أجنبية، الأم، والاب لا يُجِيدان اللغة — طيب من سيراجع مع الأولاد الدروس؟* يعجبني الإعلان الذي يقول: يجب أن يتوافر في المتقدم للوظيفة إجادة تامة للغتين العربية والإنجليزية تحدثا وكتابة، والتأكيد على التحدث والكتابة لتلافي أخطاء (مورسي) وما شابهها!* تشير الإحصاءات إلى جيل يعاني صعوبة التحصيل!! كيف يتم التحصيل أصلا (والآي باد) لا يفارق أطفالنا حتى في أسِرتهم عند النوم!! الأمر يحتاج الى مراقبة، وحزم. ومفيش (آي باد).* وأنا أحكي لحفيدتي (جوري) حكاية ذات الرداء الأحمر، قاطعتني فجأة وقالت (Don’t speak Arabic with me.. speak English )!! يا علماء الاجتماع ماذا حدث لأطفالنا؟؟؟(والأي باد).