13 سبتمبر 2025

تسجيل

طقوس انتخابية !

26 سبتمبر 2012

تصريح الرئيس الأمريكي بأن مصر ليست حليفا للولايات المتحدة، وعدم ترتيبه للقاء الرئيس محمد مرسي عندما يحل ضيفا على الولايات المتحدة لإلقاء كلمة بلاده بالجمعية العامة للأمم المتحدة يمثل استمرارا لطقوس انتخابية انتهازية بدأت قبل عدة سنوات. ففي مواسم الانتخابات الرئاسية اعتاد المرشحون الأمريكيون التنافس في مهاجمة الجانب المصري والتودد إلى اللوبي الإسرائيلي. وكانت الانتقادات التي توجه إلى الجانب المصري عادة ما تدور حول تراجع سجله في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. ولكن الغريب هذه المرة أن النقد الأمريكي ليس بسبب التراجع في مجال الديمقراطية كما كان الحال في الماضي، ولكن لأن الانتخابات الديمقراطية قد أتت بمن لا تحبهم إسرائيل ولا تود التعامل معهم من الإسلاميين. والأغرب أن يساير الرئيس الأمريكي هذه الطقوس وينزلق إلى مجموعة من المواقف والتصريحات غير الحصيفة التي يمكن أن تسهم في إضعاف موقفه الانتخابي وإرباك موقف إدارته في الشرق الأوسط. فالرئيس الأمريكي الذي نفى أن تكون مصر حليفا لبلاده لا يبدو أنه يدرك أن النظام المصري لم يكتسب صفة الحليف بشكل رسمي ولكن بوصفه أحد "الأنظمة المعتدلة" التي تعتمد عليها واشنطن بشكل أساسي وذلك لكونها (1) تقبل بمبدأ السلام مع إسرائيل، (2) تقبل بضخ مواردها (النفطية أساسا) إلى الغرب وفق أسعار معقولة، (3) تسمح للولايات المتحدة باستخدام ممراتها المائية وغلافها الجوي، (4) تمتنع عن دعم الأنظمة الراديكالية أو الأفكار القومية أو الدينية المتشددة. وقد شملت هذه الأنظمة في منطقة الشرق الأوسط كلا من إيران الشاه، والأردن، وأنظمة الخليج العربي، فضلاً عن مصر بعد توقيعها معاهدة السلام مع إسرائيل. بهذا المعنى تكون مصر قد احتفظت بصفة الحليف الأمريكي في المنطقة لأكثر من ثلاثة عقود، وعليه لا يمكن حمل التصريح الأمريكي الأخير إلا على أساس أن الإدارة الأمريكية لم تعد تعتبر النظام الجديد في مصر معتدلا بالدرجة الكافية، وأنها من ثَمَّ لن تعتمد عليه في المستقبل، كما كانت تفعل في الماضي، لحماية مصالحها في المنطقة. وذلك لكون هذا النظام يطالب بإعادة النظر في اتفاقيات كامب ديفيد، وإعادة النظر في أسعار تصدير الغاز إلى الكيان الصهيوني، ويرفض التبعية الاقتصادية أو السياسية للغرب، ويدين سياسات الاحتلال والاستيطان، ويطالب أمريكا باحترام تعهداتها بمنح الفلسطينيين حكما ذاتيا. وهذا ليس هو الدور الذي تنتظره الإدارة الأمريكية من حلفائها "المعتدلين". المشكلة الأساسية أن النظام المصري الذي يمارس كل هذه الخروقات— من وجهة النظر الأمريكية، قد وصل إلى الحكم عبر عملية ديمقراطية سليمة. وعليه لا تمتلك الإدارة الأمريكية مبررات كافية لمعاداته. ولولا أحداث السفارة الأمريكية بالقاهرة، وما كان من اقتحام المتظاهرين الغاضبين لها لما توافر لواشنطن الغطاء اللازم لتبني موقفها المتشدد إزاءه من دون أن تبدو أنها ضد التحول الديمقراطي الذي جاء به على رأس السلطة. ولكن هل ستؤدي هذه الأجواء بإدارة أوباما إلى الاستمرار في سياستها المتحفظة إزاء النظام المصري حال فوزها بفترة ثانية؟ الأرجح أن إدارة أوباما تمارس لعبة انتخابية ستنقضي بانقضاء موسم الانتخابات. فمن المفهوم لدى الأمريكان أن تجربة فقدان حليف إقليمي لا ينبغي أن تتكرر، فقد فقدت أمريكا حليفتها إيران بعد قيام الثورة وسبب لها هذا العديد من المشاكل، والآن هي غير مستعدة لإعادة الكرة مع مصر أيا ما تكن التغيرات التي تمر بها. ولعل هذا ما يفسر الرسائل المختلطة التي صدرت عن البيت الأبيض في الفترة الأخيرة، فهو يدين اقتحام السفارة، وإنزال العلم الأمريكي، ويصف النظام المصري بأنه ليس حليفا ولكنه في الوقت ذاته يبعث إليه برسالة شكر عن جهوده اللاحقة في تأمين السفارة، ويصف العلاقة بين البلدين بالشراكة الإستراتيجية. بنفس هذا التحليل يمكن أن نفهم قرار الإدارة الأمريكية الامتناع عن مقابلة الرئيس المصري في زيارته الأولى إلى الولايات المتحدة، فهو قرار تكتيكي يهدف فقط إلى مغازلة الصوت اليهودي. فالرئيس المتطلع إلى ولاية ثانية، يهمه ألا يغضب اللوبي الإسرائيلي، وحلفاؤهم من المحافظين اليمينيين ممن يلتقطون أي تقارب مع الرئيس المصري لشن حملة عداء ضده وإظهاره على أنه يغض الطرف عن المخاطر التي تتعرض لها إسرائيل بعد وصول رئيس ذي مرجعية أيدلوجية معادية إلى السلطة على حدودها. غير أن هذه السياسة الملتوية قد تتمخض عن العديد من النتائج السلبية بالنسبة للرئيس الأمريكي قبل غيره، فمن ناحية فإن أوباما الذي امتنع عن لقاء الرئيس المصري حتى لا يبدو أقل تشددا من منافسه الجمهوري، قد لا ينجح رغم ذلك في استمالة الناخبين العقائديين. وإلا فلماذا يختار الناخب الأيدولوجي أوباما الذي يتظاهر بالتشدد إزاء الرئيس المصري، في الوقت الذي يوفر له فيه ميت رومني نسخة أصلية من التشدد، تؤمن بالهيمنة المباشرة ولا ترضى من حلفائها بأقل من أن يكونوا وكلاء إقليميين. ومن ناحية أخرى فإن عنصر الرياء في السياسة الأمريكية، والمجاملة المفضوحة للوبي الإسرائيلي على حساب أحد أهم رموز الربيع العربي هي من الأمور التي ستزيد من رصيد الكراهية لدى الشعوب العربية للمواقف والسياسات الأمريكية، وهو ما اختبرته أمريكا بوضوح في أعقاب أزمة الفيلم المسيء. الأمر الذي يوحي أن السياسة الأمريكية لا تتعلم من أخطاء الماضي، وأنها مازالت مفتقدة للبوصلة اللازمة للتعامل مع الشارع العربي. وأخيرا فإن مواقف الرئيس الأمريكي المزدوجة يمكن أن تصب في مصلحة الرئيس المصري — المستهدف بكل هذه القرارات السلبية، فهذه القرارات تؤكد الصورة التي يحرص الأخير على تأكيدها لنفسه كزعيم مستقل عن القرار الأمريكي، ومن ثم فإن تخلف أوباما عن لقائه، وإصراره رغم ذلك على الذهاب إلى الولايات المتحدة لحضور اجتماعات الجمعية العامة يرفع من أسهم الرئيس المصري وينفي عنه الصورة التقليدية للرئيس التابع الذي يذهب إلى البيت الأبيض فقط لتقديم فروض الطاعة للإدارة الأمريكية كما كان يحدث في السابق.