27 سبتمبر 2025

تسجيل

الاتحاد الخليجي ودروس الاتحاد الأوروبي

26 سبتمبر 2012

ما مر به الاتحاد الأوروبي أمام العالم من مآزق وترد كان نتيجة ضعف وعدم التزام الدول الأعضاء بروح الاتحاد على كل المستويات خاصة آليات الوحدة. وظل السياسيون يراوغون مفهوم الوحدة وإن كانت العملة قد حققت الوحدة النقدية إلا أن التزام الدول وخاصة السياسيين من أجل توحيد أوروبا اقتصاديا وخلق وحدة حقيقية لم يدعم من قبل السياسيين. وكانت أول المشاكل التي واجهها الأوروبيون هي ما حافظ عليه السياسيون من استقلالية الموازنات. عن حسن نية أو سوء نية لا يهم. المهم أن عدم وجود تنسيق ورقابة على موازنات الدول الأوروبية سمح للسياسيين بتوجيه الاستثمارات بشكل كان يخدم أحزابهم وحظوظهم في كسب أصوات الناخبين. والنتيجة هي عجز في ميزانيات دول الاتحاد أوصلها لشفير الهلاك. عندها فقط راجع السياسيون مواقفهم وإن ظلوا في عماهم يرزحون. وقاست الشعوب الأوروبية من هذا الضعف المتأصل في روح ما سمي بالاستقلالية لأنه لم يسمح بالرقابة في المقام الأول ولم يسمح للمصرف المركزي بهامش مناورة بكل ما كان يملك من إمكانات كان يمكن أن يستغلها لمعالجة الأزمة خاصة في بداياتها. ولكن عدم استعداد القيادات الأوروبية متمثلة في سياسيها خنق وضيق على المصرف المركزي حتى لا تستغل إجراءاته التوسعية في السوق من قبل السياسيين من أجل مصالحهم الفردية أو الحزبية تدخل الاتحاد في أنفاق مظلمة جديدة. فنأى المصرف المركزي بنفسه. ودخلت أوروبا رمالا متحركة حاول السياسيون الخروج منها دون التفريط في ما سموه الاستقلالية لكل دولة وهذا يعني لكل حزب أو مجموعة سياسيين. ودارت الدوائر وقاوم السياسيون وحاول البعض الخروج من تلك الأزمة بأي شكل ولكن هيهات. ظلت الأزمة المالية تتفاقم حتى وصلت معدلات البطالة لمستويات غير إنسانية. معدلات لم سبق لها مثيل في أوروبا. بل بلغت بعض المؤشرات لمستويات قريبة من أسوأ معدلات عرفتها الإنسانية والسياسيون يقاتلون من أجل المحافظة على مكتسباتهم التاريخية وما اعتبروه حقهم في تدبير أموره. دون تدخل مؤسسات الاتحاد لضبط المصاريف والمداخيل وحدود الدين العام. ودخل الاقتصاد عصب الحياة في منزلق الانكماش وأصبح لا ينفع معه إلا سياسات التقشف. والتي تزيد الطين بلة. فكلما تم تقليص المصاريف تبعه تراجع في النمو الاقتصادي. وحين لم يعد بيدهم أمر فقد سلبتهم الأزمة كل أدواتهم السياسية. فلم يعد هناك بد من التسليم وقبول وحدة حقيقية تصبح أوروبا من خلالها موحدة على كل المستويات النقدية والمالية والاقتصادية. أي أصبحت أوروبا الولايات المتحدة الأوروبية. بعدها تدخل المصرف المركزي بكل ثقله لانتشال الاقتصادات الأوروبية من حالة التردي.نعم لقد كان درسا قاسيا بكل المقاييس. للساسة والشعوب الأوروبية. ولكن ستظل تبعات التأخير والتردد وتقديم المنافع الضيقة على الصالح العام. تلقي بظلالها على أوروبا بلدانا وقارة وعلى والعالم لمدى غير منظور فعامل الوقت الذي أهدر سيدفع ثمنه الأوروبيون أجمعون ولكن كل حسب مدى تفريطه في المصلحة العامة ونحن في الخليج والعالم العربي لسنا ببعيدين عن ذلك المشهد.ولقد دفع الإغريقيون ثمن أنانية سياسييهم فعملوا في تنظيف حمامات السويديين من أجل إيجاد لقمة العيش. وهكذا عندما يكون هناك نية للقيام بعمل أن يحسن إتقانه لتحقيق النجاح المطلوب والمؤمل في الوقت المناسب ودون إهدار للوقت. وفي هذا درس لنا في الخليج لا نحتاج لأن نعيشه أو أن نعايشه في شكل دروس عملية. ولكن على الأقل ونحن مقبلون على وحدة خليجية أن نجعلها صادقة وهي دولة خليجية واحدة. بكل معنى الكلمة. درس أزمة أوروبا هو أن الوحدة يجب أن تكون وحدة متكاملة ليست وحدة نقدية أو اقتصادية أو جمركية أو مالية فقط بل هي وحدة حقيقية ودون تلكؤ. تخلق كيانا سويا واحدا في إجراءاته وسياساته وقدرة رأس المال على الحركة والموارد البشرية والمؤسسات على الحركة دون عوائق. وإن كانت أوروبا قادرة على خلق كيان موحد في نهاية المطاف لأن ذلك ضرورة بعد المقاساة. فإن قدتهم على الوحدة لهو أمر مدهش بل المقاييس. ذلك وفي النهاية دليل على قدرتهم على تغليب الصالح العام مع ما يعتري ذلك من صعوبات جمة. فتلك دول مختلفة المناخ مختلفة الأراضي مختلفة التاريخ مختلفة اللغات مختلفة القيم بل إن تاريخها يعج بالمواقف العدائية والحروب المتواصلة على مدى قرون ولم تكن أمة في يوم من الأيام. بل ما دفعها للوحدة هي مصالحها. أما في حالة الوطن العربي ككل والخليج بشكل خاص فإنه أمة واحدة بلغة واحدة بأرض واحدة بتاريخ واحد ودين وأديان متعايشة. أما في الخليج فنحن لا نواجه هذه المشكلة بل إن كل عناصر الوحدة متوفرة بل العجيب هو في غياب الوحدة أي أن الأصل هو الوحدة. إنما التشرذم هو نتاج عمل منظم من قبل الاستعمار. نحن لا نواجه العقبات والموانع الطبيعية التي واجهها الأوروبيون. ولذلك فالمطلوب هو إزالة الحدود والفواصل المصطنعة وليس وضع جسور وخلق تقارب كما كان يحتاج الأوروبيون.فما واجهه الأوروبيون خاصة على مستوى الشعوب هو عدم رغبتها في اتحاد لأنها لا ترى أنها موحدة أو شعوب متقاربة. ولكن الشعوب العربية والمواطن الخليجي يطالب بالوحدة لأنها الأصل والوضع الطبيعي فهي شعب واحد جزأه الاستعمار. ولذلك فإن توحيد الأمة وإزالة العقبات أمر أسهل بكثير من المحافظة على تلك الحدود المصطنعة والمكلفة. وهنا تكمن قوة الوحدة العربية في صيانة حقوق الأمة وفي إعلاء شأنها اقتصاديا وعلميا وثقافيا وماليا. أي أن الوحدة العربية تلامس أبعد بكثير مما ستحققه الوحدة الأوروبية. فثقافيا لا أعرف كيف ستحقق أوروبا انتعاشا من خلال الوحدة. الأوروبيون غاية طموحهم هو الوحدة السياسية والاقتصادية المالية. فوحدة ثقافية غير ممكنة لأنها أمم مختلفة ولها لغات مختلفة وثقافات مختلفة. أما العرب بشكل عام فهم أمة واحدة. أما الخليج فهم عائلة واحدة. لذلك فإن الاتحاد الخليجي وإن كنا كاقتصاديين وماليين ورجال أعمال نرى أن الوحدة الخليجية هي صيانة للخليج من الناحية الأمنية وهي خلق البيئة الآمنة للاستثمار الداخلي والخارجي ودعم تحفيز للاقتصاد العربي. وتخلق سوقا له عمقه وسعته وحجمه والوحدة العربية تلبية لحنين وجدان الأمة وإن الاتحاد الخليجي هو نواة الاتحاد العربي وحجر الأساس له. ومن هنا بإمكان الأمة خلق قوة ومنعة لا تستطيع بلدان أو أمم أخرى من تهديد السلم الأهلي وهو الأساس للاستثمار وإقامة الكيانات الاقتصادية. أما المردود الاقتصادي والاستثماري ورفع كفاءة الاقتصاد العربي فتلك ثمار تضاف لثمار أخرى للوحدة العربية والوحدة الخليجية. وأهم درس من أزمة أوروبا هي أن الوقت عامل مهم وأساسي ويجب اتخاذ القرارات الآن ونحن في أفضل حال دون تلكؤ أو انتظار كما انتظرت أوروبا حتى لا تحل الأزمات وتفتك بنا في وقت نكون ضعفاء فيه. ثم لا نجد من يساعدنا لمعالجة ما كنا قادرين على معالجته في وقت السعة. التأخير في مشروع الوحدة الخليجية في غير صالح أحد لا كمواطن ولا كمسؤول.