16 سبتمبر 2025

تسجيل

"فيتو" أوباما.. ماذا يعني؟

26 سبتمبر 2011

شكل الأداء الأمريكي حيال سعي الفلسطينيين إلى الاعتراف بدولتهم في مجلس الأمن نموذجا متجددا للانحياز ولما تستطيعه الضغوط والابتزازات الإسرائيلية عبر "اللوبي اليهودي"، إذ لم يكن كافيا أن تشهر إدارة باراك أوباما "الفيتو" لإحباط الطلب الفلسطيني وتعطيله، بل كان على هذه الإدارة أن تثبت ولاءً خالصاً لإسرائيل توسلاً لرضاها وتعاونها الإيجابي في انتخاب أوباما لولاية ثانية في البيت الأبيض. ذهب أوباما في عملية إبداء الولاء هذه إلى أقصى ما يستطيع منذ منتصف مايو الماضي، انتهز خطاب التمجيد بـ"الربيع العربي" لإطلاق تحذير واضح بأن هذا الربيع يتوقف بالنسبة إلى الولايات المتحدة عند الخريف الإسرائيلي في نيويورك، كان يعرف انه يجازف بكل ما بناه من صورة حسنة لدى العرب والمسلمين في العالم، وانه يبدل مواقفه على نحو مستهجن، لكنه فعل، فمصلحته ومصلحة حزبه تأتي بالتأكيد قبل حقوق الشعب الفلسطيني. وفي ذلك الخطاب وضع "الفيتو" باكراً على الطاولة، لئلا يظن "اللوبي" أو الإسرائيليون أنه بصدد القيام بمناورة خلال الشهور الفاصلة عن سبتمبر، وبذلك اختار أن يشكل دبلوماسيته باكرا جدا، فما دام مبعوثوه إلى الفلسطينيين وسائر العرب سيصلون مسبوقين بهذا الفيتو فإن قدرتهم على الإنجاز ستكون محدودة ان لم تكن معدومة، كان لابد إذا من حث الأوروبيين على التحرك لدعم الموقف الأمريكي، أي الإسرائيلي. لكن الأوروبيين وجدوا بدورهم انه طالما اختار أوباما أن يصبح بطة عرجاء فإنه ضرب أيضا حظوظ دبلوماسيتهم في تحقيق أي اختراق لدى الفلسطينيين. مع ذلك، بذلت محاولات كثيرة، سرعان ما تبين انها انطلقت يائسة، فإذا لم يكن لديك منطق قوي ومتماسك لن تتمكن من الإقناع، وإذا لم تتوافر مغريات وازنة فلن تتمكن من إجراء نقاش مجد، عندئذ التفت الأوروبيون إلى إسرائيل إذا كانت تسعى فعلا إلى تجنب استحقاق "ايلول" أو "تسونامي" - كما سمته – فلتتقدم بأفكار يمكن أن تساعد الوسطاء، لم يكن لديها سوى شروط ومطالب وتهديد ووعيد. فهكذا خاضت المفاوضات، وهكذا أفشلتها، وهكذا تعتزم الاستمرار فيها، الفلسطينيون يعرفون ذلك والأوروبيون أيضا لكن الإلحاح الأمريكي كان يحضهم على المحاولة. ما المانع والمزعج في ذهاب الفلسطينيين إلى الأمم المتحدة؟ لاشيء يمنع، وكل شيء يزعج، إذ أن "عصابة الرباعية" حتى لو كانت تضم الأمم المتحدة لزوم الديكور، نشأت عام 2002 على أساس ان الملف الفلسطيني لن يعود له سوى وجود شكلي في المنظمة الدولية، وبالتالي فإن الحل والربط فيه أصبحا عند "الرباعية"، وبتفاهم أعضائها الذين يشملون الأمريكيين والروس والأوروبيين، وهذا "التفاهم" أوجب على الأمم المتحدة أن تكون حاضرة، رغم أن هذا الحضور هو على حساب دورها وشرعيتها، لكن "الرباعية" لا تعني أنها تضم أربعة أطراف متكافئة النفوذ والتأثير، انها طرف واحد هو الولايات المتحدة التي أبلغت الأطراف الثلاثة الأخرى أنها تريد مساعدتهم في الضغط على الفلسطينيين والإسرائيليين كي يتوصلوا إلى حل بالمفاوضات، فيما بعد، تبين أن الطرف الواحد، الأمريكي، هو أيضا الإسرائيلي، وقد اعترف العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين بضيقهم من طريقة عمل "الرباعية" لأنها باتت مدعوة دائما إلى إيجاد أكثر الصيغ حذاقة لتبني الإملاءات الإسرائيلية المرسلة مع ساعي البريد الأمريكي، أي أن "الرباعية" تحولت إلى مصيدة واقعة تحت الإرادة الإسرائيلية، لكن أيا من أطرافها يستطيع الخروج منها طالما أن أمريكا مصرة على إدامتها، الروس يحققون عبرها مصالح لا علاقة لها بالمسألة الفلسطينية، والأوروبيون لا يمكن أن يتفقوا على خيار الانسحاب منها لأنهم اكبر جهة مانحة للفلسطينيين ويريدون على الأقل الاطلاع على ما يجري، أما الأمم المتحدة فدعيت إلى "الرباعية" ولبّت وهي تكتفي بدور المراقب، علما بأن الأمريكي-الإسرائيلي يستغلها لإخفاء "شرعية" وهمية على "الرباعية". بين خطاب "الربيع العربي" وخطاب "الخريف الإسرائيلي"، كان أوباما قد تلقى ما اتفق المراقبون على تسميته "صفعة نتنياهو" وتبعتها صفعات عدة جعلت جميع المعنيين بالشرق الأوسط يؤكدون ألا شيء يمكن توقعه من واشنطن قبل الانتخابات الرئاسية، لذلك كان أوباما على المنبر الدولي يودع ملف الشرق الأوسط بـ"فيتو" يعرف تماما ما الذي يعنيه، انه يناقض ويمسح كل ما تفوه به منذ يوم تنصيبه رئيسا، لم تعد لديه سياسة خارج الإطار الذي حدده له "اللوبي"، وعصابة المتطرفين في حكومة نتنياهو. لكن ما الذي يعنيه فعلا هذا "الفيتو"؟ إن أخطر ما يعنيه أن الولايات المتحدة موافقة ومتواطئة مع الأجندة الخفية لإسرائيل في مفاوضاتها مع الفلسطينيين، وقوامها أن "لا دولة" فلسطينية وإنما كيان حكم ذاتي مرتبط بإسرائيل، ليس من المبالغ فيه أن يشكك الفلسطينيون والعرب في أن تكون واشنطن مؤيدة فعلا لـ"حل الدولتين"، وليس مبالغة أن يشككوا أيضا في أن واشنطن تريد مفاوضات ندية، وحقيقية وذات مرجعية دولية مستندة إلى القرارات الدولية والحقوق المعترف بها للشعب الفلسطيني، هذا ما كشفته عملياً محاولة الفلسطينيين قبل الاعتراف بعضوية كاملة لدولتهم، إذ أنهم اقتربوا بها من الخط الأحمر الذي رسمه الأمريكيون والإسرائيليون، حتى أن الأوروبيين أوحوا بانقساماتهم في الرأي كأنهم هم أيضا لا يعرفون فحوى تلك الأجندة الخفية، أو لعلهم يعرفون لكنهم لم يتعرضوا لأي اختبار كي يحسموا مواقفهم، أو لعلهم أخيرا يعرفون ولم يوافقوا أصلا، وإلا فكيف يمكن تفسير هذه الثرثرة المستمرة منذ أعوام عن "الدولتين" وعن تأييد هذه الدولة وتلك لـ"دولة فلسطينية" ذات سيادة. سبقت خطاب أوباما أمام الجمعية العامة وأعقبته سلسلة من التصريحات الهستيرية لأعضاء في الكونجرس ومرشحين جمهوريين للرئاسة تصف سياسته الشرق أوسطية بأنها مهزلة، بل تحمله مسؤولية وصول الفلسطينيين الى الامم المتحدة، ففي رأيهم انه كان عليه ان يمنع هذا المسعى ويحبطه في مهده، لذلك فإن البعد الآخر لـ"الفيتو" انه يريد إبلاغ الفلسطينيين انهم يخرجون عن قواعد اللعبة الوحيدة المسموح بها، وهي التفاوض برعاية "الرباعية"، وبمعزل عما يمكن أو لا يمكن أن يتحقق، وعدم البحث عن أي بديل آخر لا وجود له على أي حال، ولا معنى لهذا الإصرار على استئناف المفاوضات سوى أن على الفلسطينيين أن يعطوا موافقة ولو ضمنية على استمرار الاستيطان الذي سبق لأوباما أن أدانه لكنه من خلال "الفيتو" تخلى عن هذه الإدانة، وبات يعتبر الاستيطان حقاً مشروعاً لإسرائيل.