20 سبتمبر 2025

تسجيل

أكواب الحزن ملأى!

26 سبتمبر 2011

قد تكون أكواب أحزانك ملآنى إلى حافتها بوجع لا يعرفه سواك، ثم يرن الهاتف ليقول المتحدث بصوت مرتعش محزون "البقية في حياتك، أو عظم الله أجرك لتنتظر مرتعباً اسم الذي أصبح في ذمة الله، ويتكرر المشهد، كثيرون يذهبون في حضن الوطن أو بعيداً في صقيع الاغتراب، يذهبون بعد وداع أو دونما وداع ليكون الحزن فارعاً عندما يكون الذاهب حبيباً إلى قلبك، قريباً إلى روحك، عزيزاً على نفسك، وقد تظل بعد الخبر أسير حالات تتباين، قد تتماسك محتسباً، وقد تنهار باكياً، وقد تجمد مكانك من الصدمة، لكن لا التماسك يجدي، ولا الانهيار، ولا الصدمة فحبيبك أغمض عينيه وترك لك فراغ الدنيا وراح عند ربه، طار بعيداً عنك في رقدة طويلة لن يصحو منها، لن يرد على هاتفك إن سألت عنه، ولن يفتح لك بابه إن طرقته، ولن تسمع صوته إن ناديته، ولن تحضنك عيناه قبل يديه وقد زرته، سافر بعيداً عنك ولم يعد في مقدورك أن تلقي بين يديه وعلى أعتابه بأحمالك، وهمومك، ومتاعبك ليخفف عنك بل لتذوب همومك وقد احتواك بحنانه الضافي، ومحبته الصافية، وقلبه الجميل، كما كانت تفعل (نبيلة) الصديقة النبيلة اسماً وخلقاً اسماً على مسمى، التي ما عرفها مخلوق إلا وأحبها، أخفى أولادي الخبر عني لمعرفتهم بمدى محبتي لها حتى سمعتني ابنتي ليلى وأنا أدعو لها بالشفاء فقالت (ادعي لها يا أمي بالرحمة لقد توفاها الله) جمدت مكاني، قفزت إلى عيني مئات الصور المتلاحقة، وعشرة امتدت لثلاثة عقود، دموعي تجري، والشريط يجري، يعيد البعيد البعيد حيث تلقفتني (بلبل) كما كنا نناديها وقد جئت إلى الدوحة صغيرة، جاهلة بأمور الحياة الجديدة فكانت لي أماً حانية، وأختاً محبة، وصديقة وفيّة، كان لبقاؤنا يجسد معنى البهجة، بهجة الصديق بصديقه، وفرح الونيس بونيسه والفه، يتندى الدمع ويعود الشريط مطمخاً بعطر العشرة الطيبة التي عرفت معها كيف هو طعم الوفاء الحقيقي الذي لا يداخله غش، وكيف هو الحب الذي لا يشوبه نفاق، وكيف هي الطيبة التي لا يجرؤ السواد على الاقتراب من بياضها، يعيد لي الشريط لحظة وداعي الموجوع لها وهي تغادر الدوحة إلى مصر، أستعيد قسوة لحظة الوداع، كنت أشعر بطعم فقد صديق حبيب مازال على قيد الحياة لكن قطار الحياة يأخذه بعيداً عن عيني وليأخذ معه شعوراً اسمه الاطمئنان! ولم تنقطع الصلة كنت أزورها في مرضها كلما سافرت إلى مصر، كنت أعلم أي آلام تعاني، وأي صبر تتحلى به، واشتد المرض لتقاومه بمسبحة ومصحف لا يفارقانها، كانت في حضرة أنس الله وهي تعيش وحدها بعد وفاة زوجها، ما رأيتها يوماً شاكية ولا ساخطة، ولا سمعت لها عمري صوتاً عالياً، كان لسانها مسبحاً أبداً، نظيفاً من الاغتياب، لا أذكيها على الله وإنما أحسبها من الطيبين لما كانت ترى عيني من خصالها الجميلة. كثيراً كثيراً أفكر الآن في الموت الذي يطلبنا ولا نعرف متى سنرحل معه وهل ما لدينا من زاد يكفي أم أن الصحيفة تشي بقلة الزاد؟ أسئلة كثيرة تنبت في حضرة الموت وجلاله كلها كلها معلقة في الهواء دونما جواب! مازال الشريط يركض لأسمع صوتها الغائب يعيد اللقاءات، الحكايا، التفاصيل الصغيرة، ودفء قلبها الذي كان قادراً على احتواء العالم، استعيد سيرتها العطرة كناظرة ومربية حازت تقدير واحترام الجميع وقد ساستهم بالحب لا الترهيب، والمودة لا العنف، استعيد عشرة، وعمراً وطيبة، وصدقاً، ووفاء ندر أن يكون فتخنق القلب غصة يفور لها الدمع، اللهم ارحم (نبيلة) الإنسانة رحمة واسعة، وجازاها على صبرها في محنة مرضها بجنة تسعد فيها روحها النبيلة الجميلة. طبقات فوق الهمس: • خالص عزائي للأخ الفاضل يوسف السويدي الذي زاملته عمراً طويلاً بإذاعة قطر فما وجدنا منه إلا الدماثة، وحسن الخلق، أسأل الله له ولعائلته الصبر والسلوان في فقيدتهم الغالية (هند) السويدي التي كانت من أوائل اللائي انضممن لبرامجي الأدبية على الهواء، وكانت من اللائي قلت لهن مع أولى محاولاتها الأدبية عبر الأثير أتوقع أن يكون قلمك غداً من الأقلام الواعدة، أقترح أن يخصص أي برنامج أدبي بإذاعة قطر حلقة خاصة، كتأبين لهند رحمها الله ولفتة وفاء يشترك فيها الكتاب، والأدباء، والمثقفون من أخوات وإخوة وكذلك القراء الذين كانوا يتابعون مقالاتها، رحم الله هند وأسكنها فسيح جناته، وألهم أهلها الصبر الجميل والسلوان. • بعد لحظة، بعد دقيقة، بعد ساعة، بعد شهر، قد ننتقل من فوق الأرض إلى تحت الأرض، قد ينقلنا القطار الراكض نحو البرزخ دون إخطار مسبق حيث السكون الأبدي، ألا يدعونا هذا لنكون إنسانيين تقودنا سلامة القلب، وطهارة الضمير ونظافة النفس؟ • وما الحسن في وجه الفتى شرف له إذا لم يكن في فعله والخلائق (المتنبي)