14 سبتمبر 2025

تسجيل

اليسار التونسي والمشاركة في الحكم

26 أغسطس 2016

الذي دفعني إلى الحديث عن اليسار التونسي، هو تسجيل المعارضة، لاسيَّما اليسارية والقومية والنقابيّة حضورًا مُحترمًا في حكومة يوسف الشاهد، التي تشكلت يوم السبت الماضي، غير أن الآراء والقراءات اختلفت حول هذا التشريك بين من يعتبره تكريسًا لمبادرة حكومة الوحدة الوطنية وبين من يقول أنه مجرد «تكتيك».. ومهما يكن من أمر فقد شهدت التشكيلة الحكومية حيازة قياديين نقابيين على حقيبتين وزاريتين وهما شخصيتان (محمد الطرابلسي وعبيد البريكي) تحظيان بتقدير واسع لدى القوى السياسية والمدنية لتمثل مباشرة أو دون مباشرة الاتحاد العام التونسي للشغل، بما من شأنه أن يشهد على التنفيس النسبي للاحتقان الاجتماعي الذي بات ينذر بالانفجار، وهو ما طرح تساؤلات حول العلاقة التي ستكون مستقبلا بين اتحاد الشغل والحكومة. إلى جانب ذلك، تولّت أحزاب المعارضة عددًا من الحقائب منها حقيبة الفلاحة، والتي حاز عليها حزب «المسار الديمقراطي الاجتماعي» (الحزب الشيوعي سابقًا)، متمثلًا بأمينه العام سمير بالطيب . وحصل الحزب الجمهوري على وزارة العلاقة مع البرلمان، من خلال النائب أياد الدهماني، وهو من مدينة سليانة الفقيرة التي تعتبر من أكثر الجهات تضرُرًا قبل الثورة وبعدها. يرى اليسار التونسي أن الحكومات الثماني السابقة التي تشكلت منذ ما بعد 14يناير 2011، ولغاية آخر حكومة الصيد التي تشكلت في شهر مارس 2015، وضمت أحزاب الائتلاف الرباعي الحاكم، عجزت جميعها عن تلبية الانتظارات الحقيقية للشعب التونسي، لأنها حكومات لم تتشكل تحت مفهوم إحداث التغيير الجذري الذي طال انتظاره من قبل مختلف فئات المجتمع التونسي في ظل هذا المناخ السياسي والنفسي السوداوي، الذي تعيشه تونس منذ سنوات، طرح اليسار التونسي متمثلًا بالجبهة الشعبية التي تمتلك ثقلًا معينًا داخل النقابات وفي أوساط منظمات المجتمع المدني، فضلا عن تمثيليتها من خلال 15 نائبا داخل مجلس نواب الشعب، خيار البديل الثالث، الذي ينطلق من فكرة أن تونس في حاجة إلى استكمال بناء المشروع الوطني المفتوح على ثلاثة محاور كبيرة؛ أولها البعد الوطني والذي يدعو فيه اليسار إلى مراجعة كل الاتفاقيات المبرمة مع الدول الأجنبية عربيًا ودوليًا بما يضمن التعامل بندية و ثانيها، العمل خلال هذه الفترة على بلورة برنامج اقتصادي قوي منتج مندمج ومتوازن يولي أهمية كبرى للفلاحة العصرية وكذلك الصناعة، وثالثها، على المستوى الاجتماعي ومن منطلق يقين اليسار أن لا قيمة حقيقية للحرية السياسية ــ على أهميتها ــ من دون الموازنة مع بعدها الاجتماعي. تشكلت فيه حكومة يوسف الشاهد، فهي ليست حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية والفعلية، التي ترقى إلى مستوى تطلعات وانتظارات الشعب التونسي، ولا هي حكومة برنامج وطني وإصلاح ديمقراطي طموح يتنّزل ضمن رؤية وطنية لا حزبية، حكومة قادرة على انتشال تونس من الغرق، ومع ذلك، هل ستشكل مشاركة اليسار التونسي بنحو 5 أسماء من المعارضة المحسوبة عليه في الحكومة الجديدة تأثيرًا مباشرًا على برنامج الحكومة الجديدة؟ بكل تأكيد لا، لأن هذه المشاركة تندرج فيما يلي: أولًا، في سياق حرص القطبين الرئيسيين في المشهد السياسي التونسي (النداء والنهضة) على استقطاب جزء من المعارضة اليسارية والقومية والنقابيّة قصد «ترويضها» وضمان مناخ هادئ لعمل الحكومة في الفترة القادمة. وثانيا، ومن أجل التأسيس لمفهوم الوحدة الوطنية الذي طالما بحثت عنه تونس دون أن يتحقق، لأن غياب الوحدة الوطنية تسبب في السنوات الأخيرة – على حد قولهم - في إرباك المناخ العام وفي انتشار «فوضى» التجاذبات السياسية غير المُجدية وفي تكريس ما يُعرف بـ"المعارضة الهدامة" التي تكتفي بالنقد ولا تشارك في الحلول والمقترحات. ثالثًا، تعرف الأطراف السياسية الفاعلة في تونس، أن اليسار التونسي، لاسيَّما المتمثل في الجبهة الشعبية، لا يمكن أن يشكل البديل الثالث في تونس، لأسباب تتعلق بموقف الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، والدول الإقليمية الصديقة لتونس، المعادية تاريخيا للفكر الماركسي منذ بداية الحرب الباردة وليومنا هذا. وهذه القوى الدولية والإقليمية ترفض أن تكون تونس تحت سلطة يسارية، لأن هذه الأطراف تعمل بموجب إستراتيجيات طويلة المدى، وهي من تخلق الأحداث أيضا، ومن المؤكد أنها تملك من الخطط ما يجعلها تمنع وصول اليسار الماركسي إلى الحكم بأي طريقة. ولعل تحالف النداء والنهضة أبرز دليل على ذلك وقد سبق وأن صرح الرئيس الباجي قائد السبسي بأن الأمر قد فُرِضَ عليه من قوى خارجية.