13 سبتمبر 2025

تسجيل

لا أقول وداعاً عمان ولكن إلى لقاء

26 أغسطس 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); حين يتم تكليف أي دبلوماسي للعمل بأي دولة يكون شغله الشاغل جمع أكبر معلومات عن هذه الدولة وطبائع شعوبها، حتى يهيئ نفسه للرحلة المجهولة التى هو في طريقه لسبرها، وهو شيء شائع في عالم الدبلوماسية المعروف.. وعندما صدر التكليف لي بالمباشرة في سلطنة عمان لم أكلف نفسي عبء القيام بهذه الجزئية "رغما عن كونها أول زيارة لي وهو تقصير أقر به" حيث ان طابع العلاقات التى تجمع بين دولتينا وشعبينا وتاريخ العلاقات المشتركة والارتباط القبلي وعلاقات المصاهرة التى تجمعنا جميعا فى بوتقة دول مجلس التعاون، تجعلني في حل من البحث والتقصي. وعندما وطئت قدماي أرض مطار مسقط الدولي، لم أشعر بأنني قد خرجت من مطار الدوحة فالملامح هي الملامح والتعامل هو التعامل إن لم يكن أفضل، والاريحية كانت هي ديدن كل من التقيت بهم، وعلمت بأن اقامتي في هذا البلد الطيب أهله سيكون لها ما بعدها.. وهو ما كان بالفعل.. فلقد توجت هذه السنوات بالكثير من العلاقات الجميلة والارتباط العاطفي بالمكان وأهله، وصدق حدسي في امتداد صداقاتي وتشعبها وتخطيها لحاجز الرسميات والوصول الى عمق المجتمع العماني الذي احتواني بكل حب وصدق. كنت أعلم أن الاخوة العمانيين يكنون الكثير من مشاعر الاخوة الصادقة لإخوانهم القطريين، إلا أن ما عايشته ولمسته طوال فترة اقامتي أعلمني أن الواقع أكبر بكثير مما يقال، وأن كل ما سمعته عن خصوصية هذه العلاقة ما هو إلا نقطة في بحر المحبة الصادقة، والأخوة الحقة الخالية من كل زيف، وصفحة من دفتر ملئ بكل ما هو جميل ودافئ من كلمات لا توفي من احببتهم حقهم، ولا تستطيع ايصال حقيقة مشاعري تجاههم، وتتقاصر امام هذا الكم الهائل من التقدير الذي أحتفظ به في دواخلي لهم، ولو كان قدر الدبلوماسي التنقل من محطة لأخرى فان قدر القلب أن يبقى حيث أحب ومع من أحب. شهدت الفترة التي قضيتها في ربوع بلدي الثاني عمان أحداثا كثيرة على مستوى العلاقات الثنائية كنت خلالها شاهدا على مدى التنسيق بين بلدي قطر والشقيقة عمان بما يخدم المصلحة المشتركة بين بلدينا، حيث تم في هذه الفترة التوقيع على الكثير من الاتفاقيات في المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمار المشترك، ولقد أحسست بالاعتزاز والفخر حيث ساهمت بجزء ولو يسيرا في تحقيق ذلك، وكنت استمد هذا الاحساس من خلال شعوري بمدى التزام القيادتين الشقيقتين نحو شعبيهما وعروبتهما، كما شهدت فترة وجودي في سلطنة عمان الشقيقة لقاءات عدة بين سمو الامير الوالد الشيخ حمد وسمو الامير الشيخ تميم بعد توليه زمام الامور، وجلالة السلطان قابوس حفظهم الله جميعا، كان لها عظيم الاثر والنتائج في تطوير العلاقات الاخوية بين البلدين الشقيقين. هكذا هي الدنيا تجمع لتفرق وتفرق على أمل اللقاء، وبأنه لا بد لنا من يوم نصحو فيه على حقيقة الوداع رغم الآلام التى يسببها لنا، ولكن تبقى لنا الذكريات الجميلة التى ستظل محفورة في مكان قصي يستحيل أن تصله ممحاة الزمن ولو طال، وستظل ملجأ لي في قادم الايام أتزود منه كلما أحسست بعطش اللقيا وجوع الحنين، فعمان لا تنسى بمرور الايام والسنين، وشعب عمان وأصدقاء عمان خالدون في الوجدان يتمترسون داخل القلب بصدق احاسيسهم ونبل مشاعرهم. لقد وجدت فى عمان كل ما يبعث على الراحة والطمأنينة، فهي دولة بعيدة كل البعد عن كل ما يبعث بالقلق في الدول الاخرى، فهي واحة أمان في زمن كثرت فيه القلاقل والمشاكل، تجد نفسك فيها مجبراً على مسايرة أهلها فى طباعهم السمحة ونفوسهم الصافية وتقبلهم للآخرين بروح الالفة والعفوية، ويكفي أهل عمان فخراً دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم بالقول "رحم الله أهل الغبيراء (أهل عمان) آمنوا ‏بي ولم يروني"، وما قاله خليفته أبوبكر رضي الله عنه عنهم عندما خاطبهم قائلاً "معاشر أهل عمان إنكم أسلمتم طوعاً، لم يطأ رسول الله ساحتكم ‏بخف ولا حافر ولم تعصوه كما عصيه غيركم من العرب، ولم ترموا بفرقة ولا تشتت ‏شمل، فجمع الله على الخير شملكم، ثم بعث إليكم عمرو بن العاص بلا جيش ولا سلاح ‏فأجبتموه إذ دعاكم على بعد داركم، وأطعتموه إذ أمركم على كثرة عددكم وعدتكم، فأي ‏فضل أبر من فضلكم وأي فعل أشرف من فعلكم".‏ فيا أهل عمان طبتم وطابت دياركم، ونعمتم بما حباكم الله من أخلاق، ودمتم ذخرا لكل اخوتكم العرب والمسلمين، ولسوف يكون ملتقانا قريبا ان شاء الله، فمن عاش بينكم يوما يصعب عليه أن ينقطع عنكم، فما بال من عايشكم تسعة أعوام ونيف، ووجد منكم كل عون ومساعدة، وعاملتموه كأخ لكم وفتحتم امامه كل الابواب، فحري بي أن أواصل ما قطعته ظروف العمل ومقتضياته، فعلاقتي بكم منذ أول وصول صارت علاقة أزلية ما دام في العمر بقية، وحنين لن ينقطع ما دمت حيا، فشكرا لكل من صادفتهم خلال هذه الفترة الجميلة، وشكراً لكل من لم يسعفني الحظ بالتعرف اليه، فيكفيكم أن تكونوا عمانيين لتنالوا حبي واحترامي. أخيراً وليس آخراً، أودعكم وذاكرتي مثقلة بذكريات جميلة لن ينضب معينها بإذن الله، وأفارقكم وفي القلب حسرة، وفي العين دمعة أتمنى ألا تجد طريقها للنزول كوني عائدا، عائدا لمعانقة كل هذا الألق والجمال وطيب المعشر في بلد تجمعت فيه صفات الشعوب الاصيلة، وأودعكم كدبلوماسي وأبقى معكم كانسان قضى شطرا من عمره العملي وإنتاجه السياسي فى بلدكم المضياف، على أمل اللقيا قريبا في هذه الارض الطيبة التى تنعم بكل ما هو جميل، تحت رعاية وعناية الله ثم صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله وأبقاه، ولسان حالي يدعو له بكمال العافية والصحة حتى يواصل ما بدأه من مسيرة النهضة الشاملة لهذا البلد الكريم.