02 نوفمبر 2025

تسجيل

تركيا تبتعد أكثر عن الاتحاد الأوروبي

26 أغسطس 2012

عرفت تركيا في القرن العشرين ثلاث هويات.الهوية العثمانية الإسلامية التي انهارت في الحرب العالمية الأولى. والهوية العلمانية المتوجهة نحو الغرب والتي حاولت أن تنزع الهوية الإسلامية من النفوس والنصوص. أما الهوية الثالثة فهي التي لم تبتعد عن الهوية الإسلامية ولا الهوية العلمانية التي كان رمزها الأساسي عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. مثّل حزب العدالة والتنمية في سنتيه الأوليين في الحكم أي عامي 2003 و2004 الهوية الثالثة. إذ إنه حزب إسلامي ولكنه يتطلع إلى الأخذ بأساليب التقدم والحداثة. وهذا لم يكن ممكنا في الظروف التركية إلا من خلال تلبية الشروط الأوروبية الملزمة لتركيا لكي ترتقي إلى مستوى المعايير المطبقة في الاتحاد الأوروبي. ولقد اجتهد حزب العدالة والتنمية في تلك السنتين لكي يحقق قفزة نوعية تفتح له باب الانضمام اللاحق إلى الاتحاد. ونجح في ذلك عندما وافقت المفوضية الأوروبية على بدء عملية المفاوضات المباشرة مع أنقرة في العام 2005. وبدا أن هذه المسيرة لن تتوقف وأن تركيا بالفعل ستصبح ولو بعد أعوام عضوا في الاتحاد وتبدد كل الشكوك التي تثار وأولها أن الاتحاد الأوروبي هو منظمة مسيحية ولن تجد تركيا المسلمة مكانا لها فيه. وكأنها حلم في ليلة صيف أو سراب في صحراء سحيقة. فجأة انقطع حبل المسار الأوروبي. اتجهت تركيا شرقا. لم تقطع العلاقات مع أوروبا ولكن من الواضح أن توجهها شرقا لم يكن كما يشاع الآن نتيجة خيبة أملها من الاتحاد الأوروبي.لا بل في لحظة ذروة تقدم تركيا وانفتاح أوروبا عليها توقف أو تباطأ المسار الأوروبي لتركيا من دون أي مبرر. كانت نسبة الذين يؤيدون الاتحاد الأوروبي في تركيا قد وصلت إلى الذروة: أكثر من 78 في المائة يؤيدون الانضمام. وهذا رقم معبر لأنه يشمل أيضاً الاتجاهات الإسلامية. وكانت نسبة المؤيدين داخل حزب العدالة والتنمية نفسه عالية جدا. كان الكاتب التركي الإسلامي المعروف والمقرب من حزب العدالة والتنمية فهمي قورو يقول إن خيارات تركيا محدودة إما أن تكون في الاتحاد الأوروبي أو أن تكون جزءا من مشكلات العالم الإسلامي. منذ العام 2005 وحتى اليوم لم يبذل الأتراك جهودا جدية لتسريع مسار التقدم على طريق الاتحاد الأوروبي. كانت الذريعة أن تركيا لا تستطيع ذلك في وقت لم تحل المشكلة القبرصية وبالتالي لا يمكن الاعتراف بجمهورية قبرص اليونانية ممثلة لكل قبرص. في ذلك لا شك وجهة نظر. لكن أيضا لا يمكن أن يفسر التباطؤ بل حتى الجمود بهذا السبب فقط. ما ظهر لاحقا من تطورات سياسية في العالم العربي ولا سيما بعد بدء الحركات الشعبية أظهر تركيا طرفا مباشرا في الصراعات العربية والإسلامية. وهو انخراط أو تورط لم تضع تركيا قبل العام 2002 كما في مرحلة الحرب الباردة نفسها فيه رغم الخلافات التركية مع العديد من الدول العربية ولاسيما في المرحلة الناصرية. كانت تركيا لاعبا من خارج المنطقة لكنها اليوم تحولت إلى طرف في الصراعات الداخلية في مشروع يحمل الكثير من علامات الاستفهام التي تفضي إلى القول إن تركيا لا تريد أن تكون لاعبا عاديا في الساحة الأوروبية وتريد أن تترجم طموحاتها في الزعامة في مكان أكثر ملاءمة وهو الجغرافيا الشرق أوسطية والعربية والإسلامية. وهذا لا شك له محاذيره ومخاطره وتهديداته ولاسيما في ظل الكم الهائل من المشكلات والانقسامات والفتن والصراعات التي تشهدها هذه الجغرافيا والذي يجعل تركيا وأمنها ووحدتها واستقرارها ساحة مثلى للعدوى. الدور التركي الجديد في الشرق الأوسط الذي أخرجها من أن تكون بلدا "مركزا"، كما كان يطمح أحمد داود أوغلو، وأعادها لتكون بلدا "طرفا"، انعكس في خيبة أمل الأتراك من جهود الحكومة تجاه عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وليس أوضح وأخطر من نتائج دراسة جديدة قام بها مركز الدراسة العلمية والتربوية التركي- الأوروبي (تافاك) والذي أشار إلى أن 17 في المائة فقط من الأتراك يعتقدون بأن تركيا ستصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي في حين كانت هذه النسبة عام 2004 أي في ذروة التقدم على المسار الأوروبي هي 78 في المائة كما ورد في الدراسة. وأيضا اعتبر 33 في المائة فقط أن الحكومة تبذل جهدا للانضمام. فيما ذكرت النسبة الباقية أن الحكومة إما لا تبذل أي جهد وإما لا تبذل جهدا كافيا. التراجع المخيف في نسبة الذين يثقون في إمكانية انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يعكس مسارا اجتماعيا وسياسيا غامضا يبعد البلاد عن الأخذ بشروط التقدم والحداثة ولو بحدها الأدنى. ويخرج التجربة التركية من أن تكون مصدرا للاستفادة إذا كان هناك ما يمكن الاستفادة منه.