19 سبتمبر 2025
تسجيلالأجواء "التأجيلية" التي حملتها زيارة وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو إلى دمشق ولقاؤه مع الرئيس السوري بشار الأسد والتي حدد سقفها الزمني لاحقا رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان بأسبوعين أو في أحسن الأحوال إلى ما بعد عيد الفطر السعيد، ما لبثت أن تلاشت مع تصريح مسؤول تركي رفيع المستوى رفض الكشف عن اسمه عن أن تركيا ستكون مستعدة لتدخل عسكري لغايات إنسانية في سوريا في حال صدر قرار عن مجلس الأمن الدولي. كما اعتبر المسؤول التركي أن نظاما لا يحترم حقوق الإنسان لا يمكن أن يكون صديقا لتركيا. وجاء إسقاط نظام العقيد معمر القذافي في سوريا ليثير في الأوساط الغربية إسقاطات الحالة الليبية على سوريا في المرحلة المقبلة. في الواقع إن الثورات العربية ككل وليس فقط الوضع في سوريا، وضع تركيا أمام إرباكات باتت تميل شيئا فشيئا لتتبنى الخطاب الغربي تجاه الوضع هناك إلى حد التنسيق شبه اليومي بين أنقرة وواشنطن وهو ما دفع بزعماء المعارضة في تركيا إلى اتهام أردوغان بأنه وكيل للسياسات الغربية في المنطقة. في الواقع إن تدخل تركيا العسكري في سوريا إن حدث لن يكون الأول من نوعه إذ إن تركيا قامت بتدخلات فردية أو بالمشاركة مع آخرين سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو مظلة حلف شمال الأطلسي أو من دونهما.كما حصل في كوريا وقبرص وأفغانستان وليبيا والصومال وكوسوفا وهي تدخلات كانت عبارة عن عمليات قتالية.كما شاركت تركيا في قوات تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام كما حصل في لبنان أو غيره. انطلاقا من أن "سوريا شأن داخلي تركي" بدأت تركيا تعد العدة لتطوير تدخلها في الشأن السوري وصولا إلى عمليات عسكرية إذا تطلب الأمر. وفي الواقع إن تركيا من خلال مواقف مسؤوليها وما يتسرب أحيانا من مصادر، قد تكون مستعدة للتدخل في سوريا عسكريا في ظل ثلاثة شروط: 1- التدخل العسكري مع قوات أخرى لكن وفقا لقرارات تصدر عن مجلس الأمن الدولي كما حصل في ليبيا.وهي بذلك تتظلل الشرعية الدولية.وتركيا هنا عصب أساس في مثل هذا السيناريو إذ إنها الوحيدة من جيران سوريا المباشرين الذين يمكن أن يبدوا استعدادا لمثل هذا التدخل فضلا عن طول حدودها مع سوريا الذي يقارب الـ 900 كلم. 2- السيناريو الثاني وهو التدخل بناء على قرار من حلف شمال الأطلسي.ومع أن هذا الخيار لم يطرح بعد لكنه،بعد نجاح الحلف في إسقاط القذافي بأقل قدر من الخلافات البينية، من بين الخيارات التي قد تظهر في حال تفاقم الوضع في سوريا.وتركيا هنا ستتحمل مسؤولية كبرى ليس فقط في العمليات العسكرية بل أيضاً في عملية اتخاذ القرار.إذ إن قرارات الحلف تؤخذ بالإجماع وإذا لم تكن تركيا تحبّذ هذا التدخل فلن توافق عليه وسوف تحول دون اتخاذه وهنا ستكون تركيا أمام تحديات أكبر خصوصا أمام التداعيات التي يمكن أن تظهر من جراء هذا القرار والعمليات العسكرية. 3- أما السيناريو الثالث فهو الأخطر لكنه الأسهل، ويتمثل في تدخل تركي أحادي الجانب مرتبط بتطورات سورية تفقد النظام في دمشق السيطرة على الوضع وتدخل البلاد في فوضى تخشى تركيا بسببها من نشوء شريط كردي في شمال سوريا يكون بؤرة لنشاطات أمنية ضدها من جراء التنسيق بين أكراد سوريا وأكراد تركيا كما العراق. وتركيا في هذه الحالة تحبّذ الدخول إلى الشمال السوري واحتلاله ووضع أكراد سوريا تحت السيطرة المباشرة. إن جميع السيناريوهات التي أوردناها توصل إلى نتيجة واحدة وهي أن تتحرك تركيا عسكريا في الداخل السوري بمعزل عن التبريرات.وإن حصل أحد هذه السيناريوهات ستكون المرة الأولى التي يدخل فيها جيش تركي إلى الأراضي السورية من بعد هزيمته أمام قوات الحلفاء في الحرب العالمية الأولى.وبمعزل عمن يحكم في دمشق أعتقد أن التداعيات السلبية لأي من هذه الخيارات على العلاقة الطردية بين العرب والأتراك ليست بهذه السهولة التي يخيل لواضعي هذه السيناريوهات العسكرية.خصوصا أنها تأتي عشية الذكرى المئوية لثورة الشريف حسين وطرد الأتراك من الأراضي العربية وما قد تحمله السيناريوهات الجديدة من أبعاد ثأرية.