14 سبتمبر 2025

تسجيل

هذا هو المبدأ الكوني في التعامل!

26 يوليو 2019

  الناس بمختلف توجهاتهم وألوانهم وانتماءاتهم ودياناتهم يجمعهم الانتماء إلى الإنسانية   المتأمل في حياة الخلية والمتعمق في فهم سلوكها وتحركاتها وتعاملها مع بعضها البعض.. يُدرك تماماً أن جميع الخلايا المكونة لأجسامنا تعمل مع بعضها البعض في حالة من الانسجام والتوافق والتناسق العجيب من أجل سلامة الجسد والحفاظ على كفاءته وفعاليته. فخلايا الدم الحمراء الناقل الحيوي والنشط الذي يقوم بتزويد خلايا الأنسجة بالأوكسجين وإزالة فضلاتها تتعامل بسلاسة وتجانس تام مع كل خلية تمر عليها وجميع خطوط الدفاع والهجوم في جهاز المناعة من كريات بيضاء وبروتينات التي تعمل على حماية الجسم من مسببات العدوى تتعامل مع خلايا الجسم الأخرى بمختلف أنواعها ومكوناتها بحالة من الطمأنينة والسلام والتناسق دون إخلال بتركيبتها أو أدائها وتقوم بإزالة كل خلية تتصرف بعدوانية ولا تعمل وفق هذا الإطار العجيب. إن خلايا أجسامنا الدقيقة تُعلمنا درسا مهما في كيفية تعاملنا مع بعضنا البعض.. إنها تُقدم لنا المبدأ الكوني الذي تسير عليه الحياة والذي به ترقى وتنتظم في نظام مدهش وعجيب، إنه الانسجام والتوافق والتعايش. إنه الشعور بالانتماء للكيان الواحد، فلا تركيز على اللون أو الموقع أو الهيئة وإنما على الغاية العظمى التي تُبقي الجسد سليما معافى من أي أذى. هذا المبدأ الكوني العظيم لا تتسم به خلايا الجسم فحسب وإنما يمتد ليشمل كل ما في هذا الوجود بِدءا من الذرة وصولا إلى الكواكب والنجوم ذات الأعداد الهائلة التي تتحرك في تناسق وانسجام عجيب ومدهش.. وبدون هذه السمة لا يمكن للحياة بمختلف تجلياتها أن تستقيم أو أن تتزن. إن تاريخ الجنس البشري منذ بدء الخليقة ممتلئاً جداً بالنزاعات والحروب والصراعات الناشئة من النظرة الفوقية والاستعلاء على الآخر بدءا من قابيل الذي ظن أنه أفضل مكانة من هابيل وأحق بأخته منه فقتله.. مرورا بالنازية والماركسية والرأسمالية الحالية المتكونة من رحم التعصب والاستعلاء والتكبر والنظرة الدونية إلى الآخر.. إن كل كيان لا يمتلك أفراده شعور الانتماء إلى الكيان الواحد والعمل بانسجام وتوافق من أجل خدمة النظام الذي يجمعهم دون الالتفات إلى مواطن الاختلاف هو كيان مصيره التشتت والتشرذم.. بدءا من كيان الأسرة والعمل وصولا إلى الكيان البشري أجمع. وكل فرد يحاول الخروج عن النظام من خلال التصرف بعدوانية تجاه الآخرين والتركيز على الفروقات ومواطن الاختلاف هو بمثابة الخلية السرطانية التي تحاول الإخلال بصحة الجسد والتي لابد من التحكم بها قبل أن تؤدي إلى مشاكل صحية خطيرة. إن هذا الكون لن ينعم بمزيد من السلام حتى يبدأ الجنس البشري بالتعلم من مدرسة الطبيعة التي أبدعها الخالق، لا بد من تحول عميق في إدراكنا يسمح لنا بالانفتاح على الآخر وتقبل الأفكار الجديدة والمختلفة والعمل بروح الجماعة من أجل خدمة هذا الكيان الواحد الذي نعيش تحت ظلاله.. من أجل خدمة الإنسانية.. إن أغلب مشاكلنا تبدأ عندما ننظر إلى أنفسنا على أننا منفصلون عن الآخرين فنبدأ بالسعي إلى إثبات أنفسنا بتحطيم الآخر وتقزيم آراءه وأفكاره أو حتى إجهاض ما يحلم به، معتقدين بأن نجاحاتنا لا يمكن أن تتحقق إلا بالصراع والقوة وكأن الحياة ساحة معركة طاحنة لا بد أن نمزق فيها بعضنا البعض. يقول أينشتاين: "إن الإنسان يُعَد جزءاً من كيان كبير نسميه الكَوْن ‎‏جزء محدود بحدود الوقت والمكان، إنه يدرك نفسه وأفكاره ومشاعره كشيء منفصل عن الآخرين كنوع من الخداع البصري لإدراكه. إن هذا الوهم أو الخداع البصري ما هو إلا نوع من السجن بالنسبة لنا يقيدنا في حدود رغباتنا الشخصية والحب لأشخاص قليلين أقرب ما يكونوا لنا. لابد أن تكون مهمتنا هي تحرير أنفسنا من هذا السجن وذلك عن طريق توسيع دائرة الحب لتشمل جميع المخلوقات والكائنات الحية والطبيعة بكل ما فيها من جمال". لقد كان إينشتاين فيلسوفا عميقا أدرك من خلال تأملاته أن الحب والانسجام والانتماء إلى هذا الكون والنظر إلى بعضنا البعض على أننا كائنات مكملة هو ما يُمكن أن يجعل العالم جميلا ممتلئاً بالسلام والطمأنينة بعيدا عن الحروب والصراعات. يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم "وخالق الناس بخلق حسن". الناس بمختلف توجهاتهم وألوانهم وانتماءاتهم ودياناتهم.. لا فرق بينهم فالجميع تجمعهم المحبة يجمعهم الانتماء إلى الجسد الواحد.. جسد الإنسانية.. إن هذا الكوكب لن ينعم بالمزيد بالسلام والأمن ولن يتمكن أي كيان من الرقي والتقدم نحو الأفضل حتى نتعلم المبدأ الذي تتعامل به الخلية مع جاراتها من الخلايا حتى ينعم الجسم بالصحة والعافية وشجرة الليمون مع بقية الأشجار ليصبح الهواء أكثر نقاءً، إنه السر المخزون في كل ذرات هذا الكون بامتداده واتساعه فما أجمل أن نرى تجلياته في حياتنا الواقعية. * كاتب عماني ( المصدر: الجزيرة )