17 سبتمبر 2025

تسجيل

هل ما زال لبنان وطناً يستحق العودة إليه؟

26 يوليو 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ازدحم مطار بيروت الدولي خلال الأيام الماضية بآلاف اللبنانيين المغتربين الذين قدموا لقضاء عطلة الصيف في لبنان. ما لا يعرفه كثيرون هو أن آلافاً آخرين من المغتربين فضّلوا البقاء في بلدان اغترابهم، أو السفر إلى بلد آخر لقضاء عطلة الصيف فيه. بعض هؤلاء لم يزر لبنان منذ سنوات، وبعضهم مازال على تواصل مع ذويه وأصحابه ويتابع أخبار لبنان ويحرص على قراءة صحفه كل يوم، والبعض الآخر كاد أن ينسى أنه لبناني، لا يعبأ بما يجري فيه، ولا يهتم بأحداثه. للوهلة الأولى يظن المرء أن هؤلاء المغتربين أصيبوا بنوع من الجحود تجاه لبنان وضعف الانتماء إليه وغياب الحس الوطني، لكن لهؤلاء وجهة نظر تستحق أن تُسمع. فهؤلاء يتساءلون، وهل لبنان وطن يستحق الانتماء إليه؟ هل هو وطن يستحق الحياة فيه والتعلق به؟ هل نأتي إلى لبنان لنتشارك واللبنانيين الإذلال اليومي الذي تمارسه الدولة بقطع التيار الكهربائي في ظل درجات حرارة مرتفعة ورطوبة عالية. أجمل ما في الأمر أن اللبنانيين تأقلموا مع هذا الوضع، وباتوا يستقبلون ساعات التقنين بطيب خاطر، وكل طموحهم أن تبقى ساعات التقنين على ما هي عليه. هل نزور لبنان لقضاء النهار والليل في مراقبة المستوى الذي وصلت إليه المياه في الخزان، والاتصال بعامل تعبئة المياه لحجز موعد معه لتعبئة مياه في الغالب تكون مالحة. نزور لبنان للاستمتاع بأكوام النفايات المنتشرة في كل مكان واستنشاق رائحتها التي تدعو للغثيان، ومداعبة الذباب والبعوض الذي أعلن حرباً مفتوحة على منازل اللبنانيين، يريد الاستيطان فيها وبناء جدار عازل حولها وامتصاص دماء الأطفال والعجّز؟ هل ما زال لبنان وطنا يستحق الحياة على أرضه حين تحتل أخبار القتل والخطف والاعتداء والسرقة والنشل معظم مساحة نشرات الأخبار؟ هل من الطبيعي أن تكون الطريق الواصلة بين المطار وبيروت مرتعاً لعصابات السرقة والنشل بعلم الأجهزة الأمنية وصمتها؟ هل يتجرأ المغترب اللبناني على زيارة لبنان حين تصله كل يوم أخبار خطف أبناء المغتربين والمطالبة بفدية مالية لإطلاق سراحهم؟ هل هو وطن يشجع المغترب على زيارته حين يتابع العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي مقطعاً مصوراً هو أشبه بفيلم رعب لرجل يقوم بطعن آخر بسكين في أنحاء مختلفة من جسده ويجهز عليه في وضح النهار في العاصمة بيروت، ليتبيّن أن السبب هو خلاف على أفضلية المرور. هل يكون وطناً ذلك المكان الذي تستأذن فيه الأجهزة الأمنية قبل أن تدخل إلى مناطق بعينها؟ هل هو وطن حين يستبق وزير الداخلية تنفيذ حملات أمنية في مناطق بعينها بالإعلان عنها مسبقاً والتحذير ودق جرس الإنذار إفساحاً في المجال أمام المطلوبين للهرب والاختباء تجنباً للإحراج في حال وقوع أحدهم قيد الاعتقال. هل نطلق على البقعة الجغرافية اسم وطن التي يكذب فيها وزير الداخلية ويدّعي عدم حصول تجاوزات في السجون، ثم بعد انتشار شريط مصور يظهر فيه عناصر أمنية وهم يعذبون بوحشية موقوفين يجري التحقيق بمضمون الشريط المصور حصراً، ولا يملك أحد الجرأة للتوسع في التحقيق لضبط كل التجاوزات التي حصلت؟. هل يصنّف تحت خانة الأوطان المكان الذي تتحرك فيه آلاف العناصر المسلحة متجاوزة الحدود لتقاتل في بلد مجاور تخوض معركة بالنيابة عن آخرين، ليس فقط دون إذن السلطة اللبنانية، بل وهي تحاول توريط هذه السلطة في معركة ليست معركتها وقد نجحت في مسعاها إلى حد كبير. يتساءل الكثير من اللبنانيين المغتربين عن أي وطن تحدثوننا، عن رئاسة جمهورية شاغرة، أو عن مجلس نواب معطّل، أم عن حكومة مكبّلة، أم عن أجهزة أمنية وقضاء غير بعيدين عن التسييس.. ماذا بقي من مقوّمات الوطن حتى تطالبونا بالعودة إليه والحنين له، ثم بعد ذلك تتهموننا بالجحود وقلّة الأصل؟!. كل ما سبق هي مشاكل حقيقية ومآس يومية يعانيها اللبنانيون، لكنها رغم ذلك، لا تنفي أن لبنان كان وسيبقى وطنا لأبنائه، وهنا أستذكر ما قاله الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي في فيلم "عايز حقي" حين استشاره "عوّاد" ببيع حقه بالمال العام فأجابه مدبولي: "بيع يا عوّاد.. بس قبل ما تفرق الفلوس، لفّ العالم كله وحاول تشتري وطن مش هتلاقي".