11 سبتمبر 2025

تسجيل

يونس أمره.. الأديب القديم والمؤسسة الجديدة

26 يونيو 2024

يونس أمره (Yunus Emre) شاعر ومفكر يتمتع بفهم إسلامي متسامح وواثق وميراثه يتجاوز العصور. تصوره يشبه مولانا جلال الدين الرومي، فالرومي يمثل الطراز الكتابي والنخبوي ويونس يمثل الطراز الشعبي والشفوي. نشر كلاهما الإسلام بخطاب متسامح ومرحب خلال القرن الثالث عشر في الأناضول التي هزها الغزو المغولي والصليبي. كتب الرومي قصائده باللغة الفارسية وهو يمثل نسخة أكثر علمية من التصوف، بينما كتب أمره قصائده باللغة التركية البسيطة وظلت متداولة في الثقافة الشفهية في الأناضول والبلقان. يقال إن يونس أمره عاش بين عامي 1238 و1320 في الأناضول. وكان مشهورًا لدرجة أن سبع مدن مختلفة تدعي وجود مرقده فيها. أعلنت اليونسكو عام 1991 «عام يونس أمره الدولي» باعتباره الذكرى السنوية الـ 750 لميلاد يونس أمره. كان يونس أمره يستلهم من تفكير أحمد يسوي الصوفي من آسيا الوسطى. وبما أن قصائده تُردد وتُغنى من قبل الجمهور التركي اليوم، فإنه يمثل شخصية موحدة يحترمها كل من الإسلاميين والعلمانيين والعلويين والسنة في تركيا. شهد عصر يونس أمره فترة فوضوية تشبه الشرق الأوسط اليوم حيث تم تقسيم الأناضول بين الإمارات التركية. إضافة إلى الصراعات البينية، استهدفتها هجمات صليبية متجددة من الغرب وغارات منغولية من الشرق. لم ينتم يونس أمره إلى العلماء الرسميين، ولكن يمكن وصفه بأنه داعية للإسلام. دعا الناس إلى التوحيد والأخلاق الحميدة كما ألهم شعراء عثمانيين عظماء مثل سليمان جلبي شاعر المولد النبوي. على غرار الصراع اليوم بين الفهم العلمي للإسلام والنسخ الشعبية، كانت كتاباته تخضع للتدقيق من قبل السلطة الدينية وأحيانًا كانت تخضع للرقابة من قبلهم. كان الملا قاسم هو القاضي الشهير الذي أقر كتابه الشعري الذي أطلق عليه اسم «ديوان» أثناء حياته. يقول بيته «يا يونس لا تقل كلاماً منعرجا ملتوياً، فيأتيك الملا قاسم يوماً ويضعك في قالب أو يحاسبك». ووفقاً لرواية شعبية، كان الملا قاسم يقرأ ديوانه الشعري بجوار نهر. وعندما يجد قصيدة ضد الشريعة، كان يمزق تلك الصفحة ويلقيها في النهر. وعندما صادف ذلك البيت، أصيب بالذهول ولم يلمس الكتاب مرة أخرى. لذلك، فإن قصائد يونس أمره بين أيدينا اليوم هي التي نجت من الملا قاسم. ركز يونس أمره على حب المخلوق من أجل الخالق وأخوة المسلمين والتسامح مع غير المؤمنين. كان هذا النهج مؤثراً بعد قرن من الزمان في البلقان حيث كان العثمانيون ينشرون الإسلام. كما لعبت تعاليم يونس أمره الصوفية دوراً في إبقاء الدين نشطاً في حياة الأتراك الرحل في الأناضول في وقت لاحق. كان نجيب فاضل سلطان الشعراء الأتراك يدعو إلى عودة يونس أمره: «لا تجعلني أنتظر يا يونس، فقد انتهى موسم الحصاد؛ الأوراق تتساقط، والأعمار تمر؛ والسماوات المليئة بالفراق تعطي طعماً مراً يجعلني أفقد الوعي». خصص سيزاي كاراكوتش مجلداً كاملاً لحياة يونس أمره وأفكاره. لقد صور يونس أمره كمبشر الأمل والإصلاح في الأناضول المدمرة بنهضة إسلامية. لا يؤمن كاراكوتش بوجود شخصية الملا قاسم لأنه يزعم أنه يمثل الجانب العقلي ليونس أمره نفسه ضد جانبه الشعري والعاطفي، كما نفى ادعاء أنه كان من العلويين. تعيد الحكومة التركية إحياء إرث يونس أمره ورسالته إلى عالم اليوم حيث أطلقت هذا الاسم على المراكز الثقافية التركية: معهد يونس أمره. وهو يعادل المجلس الثقافي البريطاني أو معهد سرفانتس الإسباني أو معهد كونفوشيوس الصيني. تعمل مراكز يونس أمره الثقافية التركية بأكثر من 80 فرعًا في أكثر من 60 دولة حول العالم من المنطقة العربية إلى أمريكا اللاتينية ومن آسيا إلى أفريقيا. تركز مراكز يونس أمره على تعليم اللغة التركية والثقافة التركية مثل الخط والسيراميك والملابس والحلي والموسيقى وغيرها من الفنون الحديثة. وتعطي الأولوية للتفاعل الثقافي والفكري مع الثقافات الأخرى. في العالم العربي، تؤكد مراكز يونس أمره أيضًا على السمات الثقافية المشتركة بين الدول العربية وتركيا من التاريخ المشترك والخط والموسيقى إلى الهندسة المعمارية والطعام والأدب. بدأت مراكز يونس أمره الثقافية العمل في قطر في عام 2015 وفي مصر في عام 2010 ولها فرعين في القاهرة والإسكندرية. وفي السنوات الأخيرة افتتحت فروعًا في العديد من الدول العربية مثل البحرين وعمان وتونس والمغرب والجزائر ولبنان. تلعب مراكز يونس أمره اليوم دور الجسر الثقافي بين تركيا ومحيطها القريب مثل العالم العربي والبلقان وحتى البلدان البعيدة مثل فنزويلا وإندونيسيا.