16 سبتمبر 2025

تسجيل

الحَبر الكذاب

26 يونيو 2015

أن يأتي الكذب من شخص ضعيف فهذا مفهوم، ربما دفعه الخوف والجبن للكذب، ولكن أن يأتي الكذب من قائد أو من رجل يؤمه الناس لينهلوا من علمه أو ليقتدوا به، فهذا من أقبح الأشياء.وقد ساق القرآن مثالا على هذه الظاهرة؛ بسبب حبر من أحبار اليهود اسمه فنحاص وقيل مالك بن الصيف وهذه القصة ننقلها من تفسير الطبري عن سعيد بن جبير –رضي الله عنه- أنه قال: جاء رجل من اليهود يقال له مالك بن الصيف يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم , فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى, أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين؟" وكان حبرا سمينا, فغضب فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء! فقال له أصحابه الذين معه: ويحك ولا موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء! فأنزل الله: (وَمَا قَدَرُوْا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوْا مَا أَنْزَلَ اللهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِيْ جَاءَ بِهِ مُوْسَى نُوْرًا وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُوْنَهُ قَرَاطِيْسَ تُبْدُوْنَهَا وَتُخْفُوْنَ كَثِيْرًا وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوْا أَنْتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِيْ خَوْضِهِمْ يَلْعَبُوْنَ. (سورة الأنعام آية 91).لقد غضب مالك بن الصيف لنفسه، وأنكر شيئا كان يقوله ويعلم به وبات مشهورا بين الناس، حيث أنكر النبوة على إطلاقها، وأقسم على ذلك رغم مراجعة العامة له فيما يقول من قول غريب.ولم يكن الكذب مقصورا على هذا الحبر بل تسرب إلى الأتباع والتلاميذ، فهذا فتى يطلب منه النبي أن يقرأ عقوبة الزنا في التوراة فيضع يده على آية الرجم وينطق ما قبلها وما بعدها، في كذب واضح وتدليس بين، عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم فقالوا صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل ينحني على المرأة يقيها الحجارة ، وهذا لفظ البخاريإن هذه الحادثة رغم اختصاصها باليهود إلا أنها تعد نمطا للشخصية التي يقصدها الناس في أمور دينها، وهي شخصية ينبغي أن تتصف بصفات كثيرة تتقدمها صفة الصدق والأمانة، وهما صفتان إن فُقدتا من عالم فلا خير في علمه؛ لأنه سيتبع هواه وسيضله الله على الرغم من هذا العلم.ونجد أن القرآن في مواضع كثيرة يحذر من الذين يشترون بآيات الله ثمنا قليلا، فقال: (إِنَّ الَّذِيْنَ يَكْتُمُوْنَ مَا أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُوْنَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيْلاً أُوْلَئِكَ مَا يَأْكُلُوْنَ فِيْ بُطُوْنِهِمْ إِلاَّ النَّارَ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيْهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيْمٌ.) البقرة: 174 وقال: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ).ورغم أن هذه الآيات نزلت جميعها في اليهود كما يقول الإمام الطبري، إلا أن الكذابين من اليهود خلفوا وراءهم من الكذابين الكثير من أبناء أهل الكتاب والمسلمين فنرى كثيرا من المسلمين الآن يتخذ آيات الله هزوا، ويسقطها على أهوائه الشخصية، فسمعنا من يمدح أحدا بآية من كتاب الله أو يستشهد على كفر من يكره واستحلال دمه بآية من القرآن، مستعينا على ذلك بتأويل فاسد يحركه هوى شخصي، وإن على أمتنا أن تتخلص أولا من مثل هؤلاء الكذابين تلامذة الأحبار الذين يأكلون أموال الناس بالباطل ويضلون الناس مستخدمين تأويلهم الفاسد لآيات الله.