12 سبتمبر 2025

تسجيل

ثورة ثانية أم حركة تمرد؟

26 يونيو 2013

السؤال الذي يشغل بال الكثير من المصريين هذه الأيام هو من سينزل ومن سيمتنع عن النزول في مظاهرات الثلاثين من يونيو؟ وهل ستكون ثورة حقيقية أم ستظل كما سماها الداعون إليها مجرد حركة تمرد؟ قراءة التركيبة السياسية المتداخلة في هذه المظاهرات المزمعة هي ما سنحاول القيام به في السطور التالية. أبرز النازلين ستمثلهم قوى المعارضة العلمانية التي تعتبر الداعي الحقيقي لهذه التظاهرات. هذا الفريق تشغله الأخطاء الفنية الدقيقة في منظومة الحكم الحالي والتي ربما لا تهم عموم الشعب كثيرا، مثل شكواهم من أن الدستور قد أعد على نحو معيب، وأن جماعة الإخوان تسيطر على مفاصل الدولة عبر سيناريو الأخونة، وشكواهم أن النائب العام قد جاء بالتعيين من قبل رئيس الدولة. هذه الاعتبارات على أهميتها لا تمس الحياة اليومية للمصريين، كما أنها ترتبط في أذهان الكثيرين بالمبالغات التي دأبت المعارضة على تأكيدها منذ بداية حكم الدكتور مرسي مثل تلك الخاصة بإفلاس مصر، وتعرض البلاد لخطر المجاعة، فضلاً عن ارتباطها بمسلسل التشهير بالنظام عند كل فرصة حقيقية (خطف الجنود، سد النهضة) أو حتى إشاعة مختلقة (تأجير الآثار المصرية للخليج، والتنازل عن مدينتي حلايب وشلاتين لصالح السودان). وبخلاف هذا الفريق فإن أنصار النظام السابق سيكونون في الصفوف الأولى للمظاهرات، خاصة وقد جاءتهم الفرصة على طبق من ذهب لاسترداد ما فاتهم من خيرات ومميزات العهد السابق. أما من لم يكن مستفيدا بشكل مباشر من النظام السابق ومع ذلك يتمنى عودته بحماس، فالأرجح أنه يفعل ذلك لاعتبارات تتعلق بعدائه للأسلمة التي يتصور أن حكم الإخوان يعبر عنها، ورفضه لفكرة أن يكون الدين موجها للمرحلة، حتى ولو على المستوى الشعاري. وعلى هذا الأساس يمكن أن نتصور أن إصرار هذا الفريق على النزول قد زاد في أعقاب مظاهرات القوى الإسلامية الجمعة الفائتة، وذلك للتأكيد على الطابع العلماني الذي يريدون أن تكون عليه الدولة. هناك أيضا فريق معتبر من المواطنين العاديين ممن سينزلون تعبيرا عن سخطهم على الأداء الضعيف للرئاسة والجماعة، وعدم قدرتهم على تحقيق إنجاز ملموس بعد عام من توليهم مسؤولية قيادة البلاد. خصوصا على مستوى غياب الأمن، وضعف المرافق، وعدم تحسن مستويات المعيشة بالدرجة التي كانوا يتوقعونها. يعتبر هؤلاء أن الإخوان قد ورثوا النظام القديم ومارسوا نفس أخطائه بدلا من أن يأتوا بنظام جديد. ورغم أن الكثير من أفراد هذا الفريق لم يكن لديه مشكلة مع الإخوان قبل أن يأتوا إلى السلطة، إلا أن نقمته عليهم بدأت عندما قارن بين الوعود البراقة التي ألزم الإخوان أنفسهم بها، مع ما تحقق على أيديهم من هذه الوعود على الأرض، الأمر الذي ولد حالة من الإحباط لدى هؤلاء دفعتهم إلى تحميل النظام الحالي أخطاءه وأخطاء النظام السابق عليه جميعاً. من بين من سينزلون أيضاً فرقة الغوغائيين، الذين سيستغلون حالة الفوضى لتحقيق مكاسب غير مشروعة. فانشغال الشرطة بتأمين أقسامها، وحماية مرافق الدولة (أو على الأقل هذا ما يرجى منها) سوف يفتح الباب واسعاً أمام عناصر من الدهماء للخروج لأغراضهم الخاصة. وهؤلاء هم مصدر الخطر الحقيقي الذي يخشاه المصريون الذين ذاقوا ويلات غياب الأمن أثناء ثورة يناير. وعلى أيدي هذا الفريق يمكن أن ينبثق العنف على نحو قد لا يستطيع أحد دفعه. أما الفصائل التي لن تشارك في التظاهرات فيأتي على رأسها الإسلاميون بكافة طوائفهم، فبخلاف جماعة الإخوان المسلمين الموجودة في الحكم، فإن الفصائل الأخرى سوف تمتنع عن النزول انطلاقا من قناعتها أن اكتمال تجربة الإخوان هو الضامن الأساسي لحق الجماعات الإسلامية في ممارسة العمل السياسي العلني، وذلك بعد أن كانت الأنظمة السابقة تجبرهم على العمل من تحت الأرض أو تلقي بهم في غياهب السجون. هذه الفصائل تستحضر معاني الفتنة الكبرى في صدر الإسلام كأساس لدعمها للإخوان، فهي تؤمن أن التهاون الذي حدث في حماية الخليفة الثالث (رضي الله عنه)، بفعل ما كان يأخذه عليه البعض من تفضيل بنى أمية، قد فتح الباب أمام الفتنة التي لم تلتئم بسببها جراح الأمة طوال العقود التي تلت. وبنفس المنطق فإنهم يرون أن التهاون في الدفاع عن النظام الحالي، على الرغم مما يأخذونه عليه من سعي لأخونة الدولة وإحجام عن إشراك بقية القوى الإسلامية في منظومة الحكم، سوف يفتح الباب أمام أزمة يفقدون بسببها حق التواجد الشرعي على المسرح السياسي إلى الأبد. أما الفصيل الثاني الذي لن ينزل إلى الشارع فهم أولئك المصريون المقتنعون بأن منظومة الحكم الحالية وإن كانت لم تتحرك بالبلاد كثيرا عن المكان الذي تركها فيه النظام السابق، إلا أنها ليست بنفس درجة فساده. هذا المعسكر يضم الجماهير التي لا تهتم بالقضايا الفنية التي تثيرها النخبة، والمقتنعة في ذات الوقت بتحامل هذه النخبة على الرئاسة والجماعة على طول الخط، الأمر الذي يخلق بينهم حالة من التعاطف الإجباري إزاء الرئيس الذي يمثل رغم كل شيء نموذجا للشخصية المصرية المتوسطة التي ينتمي إليها الكثير منهم. صحيح أن هذا الفريق قد لا يعطي أصواته للإخوان في أي انتخابات قادمة، ولكنه يرى أنهم لا يستحقون أن تنتهي تجربتهم بشكل فج ودرامي كذلك الذي انتهت به تجربة النظام السابق. قعود هذه الكتلة ورفضها للنزول في المظاهرات المقبلة هو ما سيفقد الأخيرة زخم الثورة، فالاحتمال الأكثر ترجيحا أن الشوارع لن تموج بالناس، ولن يبيت الآلاف يلتحفون السماء إصرارا على مطالبهم، وربما لن يصبر كثير منهم على أجواء الطقس تمسكا برحيل النظام، كما حدث خلال ثورة يناير 2011. ولهذا فإن من سينزلون من الفرق المذكورة أعلاه سيعتمدون بالأساس على التغطية الإعلامية الواسعة والمكثفة لمظاهراتهم، والأهم على حجم الفوضى الذي يمكن أن يترتب على نزولهم، وليس على كون ما يقومون به ثورة حقيقية تعبر عن كافة المصريين.