25 سبتمبر 2025

تسجيل

الأخلاق بين الصحة والإعلام

26 يونيو 2012

هنالك وعي جديد وقوي لأهمية الأخلاق في الأعمال، خاصة في الصحة. في لبنان، وصلنا إلى وقت لم يكن ممكنا خلاله تحقيق الرقابة العادلة والشاملة على الخدمات الصحية في نوعيتها وضرورتها وأسعارها لمصلحة المواطن. كانت الرقابة الصحية الدقيقة والمهنية نوعا من الممنوعات الاجتماعية، إذ غض الرأي العام النظر خطأ عن المطالبة بالقيام بها. لم تكن الأسباب مرتبطة فقط بالثقة وإنما بعدم إدراك الرأي العام أفرادا ومجموعات وجمعيات لعلم الصحة بكافة جوانبه وفروعه. في الدول المتطورة صحيا هنالك جمعيات متخصصة تتابع جودة الخدمات الصحية وتقوم بالتوعية، وهذا يرتبط بالوعي الشعبي للحقوق والواجبات. هنالك جمعيات مستهلكين قوية في المجتمعات المتطورة تتابع تحقيق مصالحهم ليس فقط في ما يخص السلع والخدمات العادية التجارية، وإنما خاصة وأيضا في السلع والخدمات الصحية والتعليمية والغذائية والاجتماعية عموما.   في لبنان، غض الرأي العام النظر عن خصائص الخدمات الصحية لعقود خلت. في هذه الأجواء، لا بد وأن تسوء نوعية الخدمات وتتكاثر الأخطاء وأن يقوم من عنده معلومات أكثر بابتزاز من لا يفهم العلوم الصحية. هنالك أخطاء حصلت طبية واستشفائية وصحية لم تصل العقوبات عليها إلى الحدود المطلوبة قانونا والتي تمنع تكرارها مستقبلا. عندما لا يطبق القانون، يزداد استغلال المريض وهذا مرتبط بطبيعة الإنسان في كل مكان. فالمشكلة التي حصلت مؤخرا في لبنان بشأن وفاة المريضة وجنينها أظهرت غضبا كبيرا من قبل الرأي العام تجاه المؤسسات الصحية والاستشفائية والطبية تحديدا. فالإعلام أعطى وقتا طويلا لهذا الموضوع المهم، ولم تكن اتصالات المواطنين لكافة مؤسسات الإعلام إلا لتظهر قلقا كبيرا من قبل الرأي العام وغضبا تجاه ما حصل. ما زلنا نجهل فعلا حتى اليوم كافة زوايا الحادثة رغم المؤتمرات الصحفية والبيانات الإعلانية والإعلامية. غضب المواطنين المعبر عنه إعلاميا لا يشكل إحصاء شعبيا للواقع الصحي في لبنان، إنما يشير إلى وجود مشكلة تجب معالجتها حتى لا تتفاقم الأوضاع وتنهار ثقة المواطن كما الضيف بالمؤسسات الصحية المحلية. مازال الرأي العام يشعر حتى اليوم بوجود الكثير من الضبابية بشأن العديد من التفاصيل المهمة. الثقة مهمة جدا كما الممارسة في الأعمال والتي تشير إلى وجود أخلاق أو عدمه. في 30\9\1982، وقعت حوادث مهمة في الولايات المتحدة، إذ توفي العديد من الأشخاص من جراء تناولهم دواء "التايلنول" الذي تنتجه شركة "جونسون أند جونسون" ذائعة الصيت. كادت الشركة أن تنهار لولا مصداقيتها الشعبية التي جنتها عبر الممارسة. وتبين لاحقا أن هنالك من وضع السم في عينات معينة من الدواء سببت الوفاة. فالمنافسة الشرسة كانت السبب لوضع السم وارتكاب الجريمة، ولولا ثقة المواطن بالشركة لانهارت. تشير هذه الواقعة إلى أهمية ثقة المواطن بالمؤسسات والشركات التي تتعاطى الصحة والتي على ما يظهر بدأ اللبنانيون يفقدونها. ما هو دور عارضي وطالبي الخدمات الصحية وما هي الشروط الكفيلة بتحسين أدائهم في المجتمع؟ هذا هو واجبهم ودورهم حتى لو كان الرأي العام على خطأ. أولا: دور النقابات في تطمين الرأي العام من نواحي الجودة والسعر والمتابعة. دور النقابات هو حماية المهنة وأعضائها، لكن ضمن الحفاظ على نوعية الخدمات وتكلفتها لمصلحة المجتمع. حماية المهنة لا يمكن أن تكون على حساب المواطن بل هي دعم لحقوقه. لا يمكن للمهنة أن تعتبر جيدة ولائقة إذا ما اعتبرها المواطن غير ذلك. ثانيا: دور القضاء في البت بسرعة وعدالة وحزم بالدعاوى والقضايا المطروحة أمامه بشأن الصحة قبل غيرها لأهميتها عند الرأي العام. إصدار الأحكام العادلة وتنفيذها يحسنان الأداء الصحي بنسب عالية. نعلم جيدا أن القضاء مرهق بالدعاوى والقضايا الخاصة والعامة، لكن هنالك أولويات يجب وضعها والعمل بها. ثالثا: دور الجمعيات الأهلية في الضغط على الجسم الصحي والقطاع العام كي يقوما بواجبهما تجاه المواطن. فصحة الإنسان أغلى ما لديه ولا يمكن غض النظر عن الجودة والسعر. المطلوب جمعيات أهلية تتمتع بثقة المواطن وتكون مشكلة من أفراد لا مصلحة شخصية مباشرة لهم في الموضوع ويتمتعون بالنزاهة والخبرة والأهلية العلمية. رابعا: دور المواطن في الضغط على الجمعيات الأهلية والمؤسسات العامة كي تراقب بجدية، إذ لن تتحسن الأسواق في غياب المواطن الواعي الذي يبقى ركيزة كل مجتمع حر وفاعل ومتطور. المواطن في لبنان مقصر على هذا الصعيد، ولا يسمع صوته إلا عندما تقع حادثة وهذا غير كاف. خامسا: دور وزارة الصحة والمؤسسات الرسمية الوطنية والدولية في الرقابة وتقديم بعض الخدمات المباشرة كما الاستشارية. يكمن دور وزارة الصحة أيضا في تغيير مجالس إدارة المستشفيات العامة نحو الأفضل والطلب من المؤسسات تقديم أفضل الخدمات بأسعار رمزية. لا يمكن تجاهل دور الضمان الاجتماعي والصحي في هذا الإطار والذي يبقى مقصرا وله تكلفة تشغيلية مرتفعة.